«نبيها أربع»

TT

أطلقت مجموعة من الشباب السعودي حملة على «فيس بوك» بعنوان «نبيها أربع»، وهي دعوة لتشجيع تعدد الزوجات، وحجتهم - كالعادة - الإشفاق على المرأة من العنوسة، وتأتي حملة هذه المجموعة من الشباب في الوقت الذي يقف فيه الآلاف من أندادهم كل صباح أمام مكاتب العمل، والخدمة المدنية، ووزارة التربية والتعليم، ومؤسسات القطاع الخاص، بحثا عن فرصة وظيفية، وجل طموحات الواحد من هؤلاء أن يتمكن ذات يوم من إعالة واحدة! كما تأتي هذه الدعوة في الوقت الذي ترتفع فيه نسب الطلاق بين الشباب في بعض المناطق إلى أكثر من 40 في المائة، بسبب الظروف الاقتصادية، والمتغيرات الاجتماعية، ولا أحد يستطيع أن يجزم أن نسبة الـ60 في المائة التي سلمت من الطلاق تعيش حالة سعادة واستقرار، وقد ترتب على ارتفاع نسب الطلاق ظهور كثير من البيوت المتهدمة، وآلاف الأطفال الأبرياء الذين يعيشون على حواف القلق بين الآباء والأمهات.

كم كنت أتمنى لو أن هؤلاء الشباب أطلقوا حملة توعية للراغبين في الزواج، تتناول أساليب ووسائل الزواج الناجح، واستهداف خلق أسر أكثر سعادة، وتنشئة أطفال يستشعرون الأمان، ويتمتعون بالصحة النفسية، فالتكوين الأسري - اليوم في ظل تعقيدات الحياة - لا بد من أن يتسم بالكثير من المسؤولية والالتزام والوعي. والخوف على المرأة من العنوسة لا يبرر إيجاد جيل من الأبناء يفتقر إلى الرعاية الوالدية، في ظل انشغال الآباء بتعدد الزوجات.

على الجانب الآخر، لا أخفي تقديري لحماس الشباب، الذين يعيشون هذه الأيام قدرا من التفاعل مع قضايا المجتمع، والأعمال التطوعية، وإطلاق كثير من الحملات الأخرى الهادفة والناضجة، وإذا أرادوها «أربع» هذه المرة من خلال الحماسة، فقد تعلمهم التجربة لاحقا أن متغيرات الزمن لم تعد تتسع لمثل هذه الأفكار غير الواقعية، فالحياة في غابات المدن الإسمنتية تتسم بالتعقيد والصعوبة والإرباك، كما تتطلب تربية الأبناء وعيا والتزاما أكثر مما كانت عليه الحال من قبل، يوم كانت الحياة بسيطة، ووديعة، وهادئة.

وأنا أغبط شباب الحملة على جرأتهم وشجاعتهم وقدرتهم على المجاهرة، ورفع الصوت بـ«نبيها أربع»، فنحن لم نقدر طوال حياتنا الزوجية - جبنًا – على أن نصرخ: «نبيها اثنتين»، فظللنا نتوكأ على واحدة، وفق قاعدة «من حسّب سلم»، فنعمنا - كمربع - بطول سلامة.

[email protected]