مستقبل جنوب أفريقيا بعد كأس العالم

TT

أنا واحد من هؤلاء المحظوظين الذين شاهدوا مباراة الدور قبل النهائي بين ألمانيا وإسبانيا في نهائيات كأس العالم بجنوب أفريقيا. ولن أخفي أن المباراة التي انتهت بفوز إسبانيا كانت مباراة كرة القدم الثانية أو الثالثة التي أشاهدها في حياتي كلها. لقد قمت بزيارة جنوب أفريقيا مرتين. ولكن كان هدفي أن أرى مقدار التقدم الذي حققته هذه الدولة من خلال كأس العالم. وكانت رحلتي الأولى إلى جنوب أفريقيا قبل ثمانية أعوام، وكنت أتابع استثمارات «زورلو غروب» في قطاع النسيج. ويمكن لأي واحد تقريبا أن يقول إن جنوب أفريقيا تعاملت مع كأس العام بصورة آمنة وسليمة.

بعد قرار «الفيفا»، بُنيت 10 استادات أو جددت خلال ستة أعوام. وتحولت هذه الاستادات إلى مبان رائعة. وعلي أن أعترف أنه خلال مشاهدة استاد «موسى مابيدا» أعلى تل في مدينة دوربان داخل كوازولو ناتال، كنت أشعر بالغيرة نوعا ما. وطفقت أتساءل: «لماذا لا يكون لدينا استاد مثل هذا في اسطنبول؟».

يشبه الاستاد الذي أقيمت فيه مباراة إسبانيا وألمانيا قطعا ناقصا نصفه شفاف. ويحتوي على حوائط جانبية مرتفعة وقوس طوله 350 مترا في القمة. وشاهدت كيف استطاع 61,000 متفرج جاءوا مشاهدة المباراة شبه النهائية دخول الاستاد ومغادرته من دون أي مشكلات أو معوقات.

لقد اجتازت الاختبار بنجاح، ولكن..

الاستادات هي فخر جنوب أفريقيا، وكما قالت صحيفة محلية «بعد الأهرامات، قامت أفريقيا ببناء شيء رائع للمرة الأولى». واستخدم في عملية البناء مجمل 11 مليون قالب طوب و80,000 متر مكعب من الأسمنت و16,000 طن من الحديد. وقيل إن الناس في جنوب أفريقيا اتحدوا بدرجة أكبر بسبب كأس العالم.

ويوجد في جنوب أفريقيا أعلى معدلات للجرائم (50 حالة قتل و150 جريمة اغتصاب و200 حالة سرقة في اليوم) . ولكن لم يحدث شيء سيئ خلال المباريات. وبالطبع أنفقت حكومة جنوب أفريقيا ملايين الدورات من أجل توفير الأمن وأرسلت قوات شرطة إضافية إلى الاستادات.

وباختصار، عملت جنوب أفريقيا بجد من أجل أن تحقق نجاحا في استضافة كأس العالم، ولكن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه: كيف يمكنهم الحفاظ على هذا النجاح بدءا من اللحظة الحالية؟

وبالنسبة إلى جنوب أفريقيا، وكما نعلم، فثمة العديد من المشكلات الخطيرة. فعلى الجانب الآخر، يبلغ معدل البطالة داخل جنوب أفريقيا نحو 40 في المائة. كما أن الفقر من القضايا الملحة هناك، حيث يحصل 43 في المائة من السكان على أقل من دولارين في اليوم. وعلاوة على ذلك، يؤثر الفقر على السود أكثر من الأنجلو - أفريقيين.

وبسبب التمييز الإيجابي لصالح السود منذ نهاية حقبة التمييز العنصري، نجد أن عدد الأنجلو - أفريقيين من الطبقة الوسطى الذين فقدوا وظائفهم مرتفع بدرجة كبيرة. وخلال جولتنا في دوربان شهدنا متسولا أنجلو - أفريقيا بين السيارات. وكان من المستحيل أن نشاهد مثل هذه الصورة قبل حقبة التمييز العنصري.

وفي الواقع، اضطر معظم أفراد عائلة المرشد الذي كان معي إلى الانتقال من دوربان إلى جوهانسبورغ من أجل فرص العمل الأفضل. وبالنسبة إلى المشكلات الكبرى داخل جنوب أفريقيا، فإنه يوجد فيها أعلى معدل للجرائم بالإضافة إلى مرض الإيدز.

ويجب على الدولة التي أنفقت 4.5 مليار دولار من أجل كأس العالم أن تخصص بعض المال من أجل «الصحة والتعليم والبطالة». ومن الغريب أن الحكومة التي أتمت عمليات بناء الاستادات سريعا من أجل كأس العالم بطيئة بدرجة كبيرة في سعيها للعثور على حل لمشكلة الإيدز.

ومن المشكلات الأخرى التي تعاني منها جنوب أفريقيا، مشكلة الرشوة. وقد دشن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي جاء إلى سدة الحكم عام 1994 حملة لتنفيذ مشروعات بنية تحتية، ولا سيما في المناطق الريفية. ولكن بدأت قضايا الرشوة. وتتضمن فضائح الفساد بلديات محلية، تأتي على كل الدولة مثل أي وباء.

ويجب على جنوب أفريقيا بذل جهود، على الأقل بنفس الصورة التي بذلتها من أجل كأس العالم، حتى تتمكن من حل مشكلاتها. ومن دون ذلك، ربما تخسر الدولة ما حققته في كأس العالم.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية