هذا اليوم «ليس مقدسا».. فاحذروا ثورة المحرومين!

TT

وصف عدد من السياسيين «الطارئين» يوم الثالث عشر من يوليو (تموز) - المفترض أن ينتخب فيه البرلمان رئيسا له ورئيسا للجمهورية - بأنه «ليس مقدسا». ولا ينبغي الاستغراب من صدور مثل هذه التصريحات في زمن سيئ. فالفوضى والاستئثار بالحكم، واللهث وراء المناصب، وتجاهل هموم الفقراء ومصالح البلاد العليا، والتصرفات النفعية، وعمليات الفساد، لم تبق مقدسا من حقوق البشر والوطن إلا وداست عليه.

على الرغم مما قيل عن حصول تطورات إيجابية، فلم يظهر ما يدل على أن العملية تتخذ منحى صحيحا على طريق توزيع عادل للسلطات في ضوء نتائج الانتخابات بين الأطراف غير المعنية بفشل الأداء الحكومي وخروقاته. وخلاف ما يُعتقد، فإن المالكي لم يقر بما قاله في بيروت بحق «العراقية» المشروع في تشكيل الحكومة، بل قال عبارات متداخلة مضطربة لا تعطي مؤشرا على الإقرار بحقيقة فوزها. ومما لا شك فيه، فإن نهج المالكي هو الأكثر خطرا على العراق. فلا شيء أخطر من اجتماع السلطة والمال والتنظيم الحزبي الطائفي المتشدد. أما الآخرون فليسوا أحزابا تمتلك نظريات متشددة، ويمكن تقويم المسارات الخاطئة في العلاقة معهم بمرور الوقت.

ووفقا لما قالته جهة رفيعة، فإن السفير الإيراني حسن كاظمي قمي قد سافر إلى طهران الأسبوع الماضي بمهمة مفاجئة، للحصول على دعم أقوى للمالكي، للحيلولة دون اتفاقه مع «العراقية». فيما كشفت شخصية رفيعة المستوى أن إيران تتحفظ على إعطاء دور كبير للدكتور عادل عبد المهدي، لأنها تراه قليل التدين «تقصد غير طائفي»، ولكونه يصافح النساء في اللقاءات الرسمية!

وحتى الآن، فإن المعضلة لا تزال معقدة. وإن ما قيل عن احتمال حلها بالموافقة على جعل رئاسة الجمهورية من حصة المالكي يصطدم برفض قوي من أكثر من جهة. ومن الخطأ الفظيع الموافقة على استمرار عمل أعضاء حزبه الذين نشرهم في مواقع حكومية مهمة، وصولا إلى إدارات المدارس في الجنوب، «وغالبا ما تكون المدارس مراكز انتخابية»، وحققوا له مكاسب انتخابية. وكل ما يقوم به من مفاوضات لا يتعدى المناورات السياسية لتحقيق مكاسب وابتزاز الآخرين، والتشبث من أجل البقاء في مركز من السلطة يضمن له حصانة لا ينبغي منحه إياها. فلا يجوز «تحت أي ظرف» تجاوز مآسي السنوات الأربع الأخيرة. فهذه رسالة المحرومين والمظلومين والمهجرين، التي ينبغي اعتبارها أمانة سماوية في أعناق «العراقية» والكتل الأخرى.

وإذا ما بقيت الأوضاع على ما هي عليه، فإن احتمالات التشظي تزداد قوة. ويذهب البعض إلى تأكيد وجود توجه لاتخاذ أعضاء البرلمان قرارا بسحب الثقة عن الحكومة الحالية وتحديد مهمتها بتصريف الأعمال، وتجميد كل صلاحياتها التي تتجاوز هذا المفهوم. وهو توجه يحظى بدعم شعبي ساحق.

وعندما يستعصي الحل، فإن القرار الشعبي لا ينبغي أن يبنى على أساس الندم على انتخاب هذا أو ذاك. بل على مبادرة شعبية منضبطة ديمقراطيا، تلقن الفاشلين والمفسدين من السياسيين درسا حاسما يستحقونه. فليس جرما أن يمارس الشعب دوره في إسقاط الحكومة بطرق ديمقراطية، بعد أن دفع الفقراء ثمنا باهظا جراء تصرف هؤلاء.

وبين فترة وأخرى ترتفع أصوات مشبوهة تبرر ما يحدث في العراق بالحاجة إلى المزيد من الوقت لتطور الديمقراطية، مستشهدة بما قيل عن أن التطور الديمقراطي في الغرب استغرق مئات السنين، والحقيقة لم تكن كذلك. كما أن التطور العلمي والثورة في وسائل الثقافة والإعلام لم يكونا متاحين في تلك القرون.

كثير من السياسيين اللاهثين وراء الحكم كانوا في وضع مالي دون مستوى الكفاف حتى وقوع بغداد بأيديهم - بفعل الغير - وينبغي أن يحاسبوا علنا على إثرائهم الفاحش وليس أن يكرموا وتقدم لهم حصانة. فبدل انتقال الثروة من الدولة إلى الفقراء انتقلت إلى جيوب سياسيين بطريقة لا مثيل لها. فانظروا إلى مكاتبهم الخاصة وقارنوها بمكتب أي مسؤول آخر في العالم. أما الحديث عن البذخ والفضائيات والممتلكات فيتطلب الترحم على السابقين، منذ بداية تشكيل الدولة العراقية الحديثة.

ممارسة العنف مرفوضة من قبل الأفراد والجماعات. بيد أن موقفا عقلانيا وقانونيا كهذا لا يجوز أن يستغل من قبل من وصلوا إلى الحكم، لممارسة قوة السلطة في فرض أمر شاذ، سيؤدي إلى ثورة محرومين تغير المعادلات.. فليحذروها.