صمت غريب!

TT

كنت دوما ما أستغرب الصمت المريب من قبل الكنيسة الكاثوليكية بحق الإرهاب الحكومي الحاصل من قبل إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على عكس الكنائس الشرقية الأخرى مثل الروم الأرثوذكس والأقباط مثلا. على عكس «هوسها» بلبنان والزج باسم لبنان بكل قضية دولية وتصويره المستمر بأنه «ضحية» وأنه يتعرض «للتهديد» من «محيطه»، مما أجبر الكنيسة أن تقيم قداسا كبيرا مخصصا لبلد واحد (وهي حالة استثنائية) أقامته للبنان، بينما بلد السيد المسيح، عليه وعلى والدته السلام، يتأوه ويتألم تحت الاحتلال الإسرائيلي.

وتتعرض كنائس الناصرة وبيت لحم لأعتى أنواع الكيد والتنكيل والحصار، ويجبر مسيحيو فلسطين ويشجعون وتسهل لهم كل وسائل الهجرة لأميركا وكندا وأستراليا، وخصوصا أميركا الجنوبية، وتحديدا شيلي، ومع ذلك تصمت الكنيسة الكاثوليكية.

بعد تبوّء يوحنا بولس الثاني (البابا الأخير الراحل) الكنيسة، والمعروف أنه من أصول بولندية، عرف عنه تعاونه الوثيق مع الحكومة الأميركية بإدارة رونالد ريغان الذي كان مهووسا بإسقاط الاتحاد السوفياتي، والذي كان يسميه إمبراطورية الشر. والبابا من جهة أخرى كان يقوم بذلك لأسباب دينية من جهة كمعاداة لنظام ملحد، وأسباب شخصية تخص خلاص بلده بولندا من براثن السلطة الشيوعية، فتعاونت الكنيسة مع نقابات العمال هناك المعروفة بسوليدرتي بزعامة الزعيم العمالي ليخ فاوينسا، وبالتالي ليس غريبا أن تتبنى الكنيسة موقفا سياسيا من قبل قوى شريرة (القس ديزموند توتو من الكنيسة الإنجيلية له مواقف معروفة ضد نظام الأبارتايد العنصري في جنوب أفريقيا، وكذلك للمطران كبوتشي من الكنيسة الأرثوذكسية ضد إسرائيل، يضاف إليه الأب حنا في بيت لحم والبابا شنودة من الكنيسة القبطية)، ولكن الكنيسة الكاثوليكية موقفها غير واضح وغامض.

والبابا بنديكت السادس عشر خلال زيارته الأخيرة لقبرص، التي كانت لأجل التمهيد «لتوحيد الكنائس في الشرق» والإعداد لـ«سينودس الشرق الأوسط»، كان هناك تغيير كبير في استمالة اليهود في الخطاب والانتقال من المفردات التقليدية التي عرفت في الخطاب الكاثوليكي تجاه اليهود قديما، اذ كانوا يخاطبون اليهود بـ«قتلة الرب»، والآن في الخطاب الأخير أصبحوا ينادون بـ«الاخوة الأكبر»!

وخطاب البابا الأخير في قبرص يوضح أن الخطر الأكبر على المسيحية هو من الإسلام، متغاضين تماما عن ذكر المذبحة التي تعرض لها العراق جراء الغزو الغاشم الذي أقرته حكومة بوش الابن مدعومة من المحافظين الجدد، والتي أدت إلى الوضع المضطرب في العراق، متسببة في سلسلة من الجرائم ضد مسيحيي العراق بالموصل وبغداد، وأدت إلى موتهم وتهجيرهم مثلهم مثل المسلمين بمختلف طوائفهم.

كذلك تغاضى البيان عن ذكر أحوال التعذيب والظلم والقتل الذي يحدث يوميا بحق كل الأديان في إسرائيل، والغزو والاعتداءات الإسرائيلية بحق لبنان، والذي يطال كل الطوائف والأديان (أكثر الناس تضررا في الجنوب اللبناني كانوا المسيحيين الذين فرغوا تماما من أراضيهم).

الصمت الكاثوليكي تجاه مجازر إسرائيل بحق المسلمين والمسيحيين مسألة أقل ما يقال عنها أنها غريبة، وهي تجدد الشكوك التي كانت دوما لدى الكنائس المشرقية في العالم العربي تجاه الدعم «الكبير» وغير العادي بحق الكنيسة المارونية من قبل الغرب، والذي دعم بالمال وبعثات التعليم والطب المعروفة، مما أدى إلى قلق وخوف وشك وريبة الكنائس المشرقية من وضع الكنيسة المارونية الكاثوليكية، واعتبارها وسيلة شرخ في الثقة بين الغرب والشرق، والمثال اللبناني يجسد هذه المسألة بقوة، فدائما كان الموارنة حريصين على «سقف» وطني «آخر» بعيد عن الوسط العربي والخليط الديني الذي عليه لبنان.

مسألة مثيرة وغريبة فعلا! ولكن يبقى الصمت الغريب من قبل الكنيسة الأكبر في العالم غريبا جدا في ما يخص جرائم إسرائيل التي لا يمكن السكوت عنها.

[email protected]