كيف فازت أفريقيا بكأس العالم؟

TT

لم تنتم أول بطولة كأس العالم لكرة القدم تنظم في أفريقيا إلى هذه القارة، على الأقل داخل الملعب. ومن بين الدول الأفريقية الست التي تأهلت للمشاركة في هذه البطولة، التي تعقد كل أربع سنوات، سقطت خمس دول في المراحل الأولى، أمام منافسين أشداء وفرص ضائعة مفجعة. وكان منتخب غانا، المعروف باسم النجوم السوداء، نقطة مضيئة للقارة، لكن بانتهاء المباراة النهائية في البطولة يوم الأحد الماضي، لم يكن بطل كأس العالم من أفريقيا.

ومع ذلك، لا يعد الفوز بالمباريات كل شيء. ولمدة شهر واحد في فصل الشتاء في جنوب أفريقيا، أحضرت هذه البطولة احتفالا دوليا إلى قارة تشتهر على نطاق واسع بسوء التغذية وانتشار مرض الإيدز. وبدلا من الفقر، شهد العالم كرات القدم تنطلق إلى الشباك وشرائح البطاطس والحلوى. وقدمت العديد من الاستادات الوامضة وحماسة 50 مليون مواطن من جنوب أفريقيا للآلاف من عشاق كرة القدم وسائل للاستمتاع بأوقاتهم.

وفي هذا العام، الذي يوافق مرور خمسة عقود على استقلال 17 دولة أفريقية، من الصومال إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، تأتي بطولة كأس العالم باعتبارها حفلة سنوية. وقالت كارمن أرندس، اختصاصية نفسية من جنوب أفريقيا فيما كانت تشاهد مباراة بين غانا وأوروغواي في الدور ربع النهائي، «تعد حقيقة أن المنتخبات الأفريقية تستطيع التنافس، وتحقيق الفوز والتعرض للهزيمة على الساحة العالمية، حقيقة رائعة».

وهناك شعور سابق لا يزال على ما يبدو صحيحا أيضا. ففي خطاب عام 1960، أدلى باتريس لومومبا، أول رئيس وزراء في الكونغو، تصريحا يناسب هذه المناسبة: «سنُظهر للعالم ما يستطيع الرجل الأسود القيام به عندما يعمل في مناخ من الحرية».

وحتى قبل ختم جواز السفر الخاص بي في لاغوس نهاية الشهر الماضي، ذكرتني إعلانات عملاق الاتصالات شركة «إم تي إن» في المطار بما تعنيه هذه الكأس بالنسبة إلى هذه القارة. ومع صور لنجوم كرة القدم مايكل إيسيان من غانا وصامويل إيتو من الكامريون وجون أوبي ميكيل من نيجيريا، كانت شعارات البطولة تقول: «دعنا نذهب إلى أفريقيا» و«إذا اتحدنا سنسدد الأهداف» و«اليوم يوم جميل لأن تكون أفريقيا».

وكان شهرا جيدا. ففي حين أن الجريمة التافهة التي تعد شائعة في جوهانسبورغ لم تختف، لم يكن هناك أي أحداث عنف كبرى في أماكن تجمع المشجعين أو خارج مناطق العرض. وجاءت شخصيات بارزة مثل الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ناهيك عن ميك جاغر، لمشاهدة المباراة الجميلة في هذا الجزء السفلي من العالم. وفي كل مدينة أفريقية زرتها، كان يسود الجو الأسري الصاخب. وفي وقت المباراة في لاغوس، كانت حركة المرور هادئة وتجمع الغرباء حول أجهزة التلفزيونات بالداخل والخارج، وإلى جانب أخبار العالم، كانت تدور مناقشات جانبية حول حالة اللعب.

وفي جوهانسبورغ، كانت كرة «جابولاني»، المصممة خصيصا للبطولة، تزين المباريات غير المنظمة في الملاعب الترابية على جانبي الطريق السريع. وفي بلدية خايليتشا الفقيرة والمترامية الأطراف، يعيش المواطنون السود في جنوب أفريقيا بعيدا عن ظلال الاستاد الجديد البراق في كيب تاون، لكن أثناء المباراة الحاسمة بين غانا وأوروغواي، احتفل العديد من الرجال وعدد قليل من السيدات عن طريق ارتداء القمصان الرياضية للبرازيل وجنوب أفريقيا وليفربول وغيرهم.

لقد كانت كأس العالم بطولة عالمية بالفعل، فبحسب شركة «إنسايد فيو» لأبحاث السوق، شاهد نحو 80 في المائة من شعوب العالم على الأقل جزءا من البطولة، وكان من المتوقع مشاهدة 600 مليون فرد المعركة الفاصلة بلين إسبانيا وهولندا يوم الأحد.

كما خلقت الأضواء العالمية أرضية مشتركة غير متوقعة. وقد يكون منتخب النجوم السوداء فعل المزيد من أجل التضامن في القارة أكثر مما فعل أشد أنصار الوحدة الأفريقية مثل كوامي نكرومه، مؤسس غانا الحديثة. وتلقى هذا المنتخب تشجيعا من جميع المواطنين في جنوب أفريقيا، بعد خروج فريقهم من البطولة، ومن جانب ملايين الأفارقة في القارة وفي خارجها، الذين كانوا يأملون مشاهدة المنافسة بين منتخب أفريقي وكبار لاعبي كرة القدم في أوروبا وأميركا الجنوبية. وفي ضاحية أوبزرفاتوري في كيب تاون، هتف مشجعون كانوا يعرفون أنفسهم بأنهم من كينيا أو الكونغو أو جنوب أفريقيا لتشجيع غانا.

وعندما ضاعت أفضل فرصة لهذا المنتخب لدخول التاريخ في الثواني الأخيرة للمباراة التي لعبها في الدور ربع النهائي، تلاشت الأصوات المبتهجة للفوفوزيلا لتصبح أنينا. وقال أحد المراقبين الزيمبابويين الذين شجعوا المنتخب الغاني: «كان لدينا الفرصة. لكننا لم ننتهزها».

وهذا هو أبسط تفسير لخيبة الأمل بين المنتخبات الأفريقية التي تنافست في هذه البطولة. وقد يعكس ذلك خيبة الأمل التي أدت إلى تعثر التقدم الاقتصادي والسياسي في القارة. وشأنه شأن عدم وجود أنظمة قوية للتعليم الابتدائي والثانوي في هذه القارة، لم يتم توجيه الاهتمام الكافي إلى تنمية الشباب في كرة القدم. ويعكس اعتماد المنتخبات الأفريقية في جنوب الصحراء الكبرى على المدربين الأجانب مدى انعدام الثقة في القيادات والمؤسسات المحلية. وترتبط الهجرة الدائمة للعقول بين أذكى الخريجين الأفارقة بهجرة أفضل المهارات في كرة القدم إلى النوادي الأوروبية.

وربما يكون الأداء المفاجئ لمنتخب غانا قد جاء بعد استثمارها في منتخب الشباب في بطولة كأس العالم للشباب، وبعد عامين من التدريب في ظل قيادة مدربها الأجنبي، على الرغم من أنها خاضت البطولة من دون نجم المنتخب مايكل إيسيان، الذي يلعب في نادي تشيلسي البريطاني.

وعلى الرغم من أن الانتصارات الرياضية قد غابت عن المشجعين الأفارقة، فإن التقدم لم يغب عنهم. ففي جنوب أفريقيا، سيظل الكثير من قوات الشرطة، وعددهم 44 ألف ضابط وجندي، والذين تم نشرهم لمراقبة الزائرين الأجانب - من الأرجنتين وألمانيا وبريطانيا والبرازيل - في مواقعهم، مدججين بمهارات أفضل ومعدات وتنسيق فيدرالي. وستظل كذلك التحديثات التي تم إدخالها على البنية التحتية في مجالات الاتصال والنقل. وعلى الرغم من أن الاستادات الضخمة في المدن الأقل ازدحاما في المرور، مثل نيلسبرويت وبولوكواني، ستكون بمثابة ذكرى مؤسفة لحماسة الفيفا التي كانت في غير محلها، فإنه من المقرر زيادة السياحة الإقليمية، وأعلن رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما أنه «بعد ذلك، سيزدهر التوظيف».

وفي حين أنه قد يكون لا يزال هناك عقود من الزمن قبل أن تكون الدول الأفريقية الفقيرة مستعدة لاستضافة مثل هذه البطولة، فإن بطولة كأس العالم كانت بمثابة عنصر أساسي لرفع ثقة أفريقيا في نفسها. وقد ظهر ذلك في جنوب أفريقيا، التي لا تزال تعاني أزمات عرقية. وفي الوقت الذي احتفلت فيه الدول الأفريقية الأخرى المنافسة في البطولة، مثل كوت ديفوار ونيجيريا والكاميرون، بمرور نصف قرن من الزمان على تحقيق استقلالها (انفصلت غانا عن بريطانيا عام 1957، وانفصلت الجزائر عن فرنسا عام 1962)، فإن جنوب أفريقيا تلحق بهم من حيث الحريات الكاملة؛ لكن لا يزال هناك الفصل الواقعي على أساس العرق والدخل، خاصة على الشواطئ النظيفة في كيب تاون.

وبالطبع، لم يعالج إنفاق الأموال على إنشاء الاستادات الجديدة التباينات الاقتصادية التي من الممكن أن تشعل التوترات، بيد أن رؤية الأفارقة البيض من أصل أوروبي وهم يؤيدون المضربين السود يعد أحد المهدئات. وقال غاريث كولنبراندر، أحد المقيمين الغربيين في كيب تاون والذي كان يشجع المنتخب الغاني، «يعد الوعي بالفصل العنصري بالنسبة إلى المجتمع الأبيض مثل الرغبي أو الكريكيت. والوعي لعام 2010 هو لكرة القدم».

وقبل رحيل منتخب غانا لكرة القدم من جنوب أفريقيا، قاموا بتحية آلاف المشجعين في سويتو وتناولوا وجبة الغداء مع الرئيس الأسبق نيلسون مانديلا. وعلى الرغم من أنهم لم يتركوا البلاد منتصرين، فقد غادروها مغادرة الأبطال.

وبالنسبة لكثيرين تقابلت معهم، كانت النتيجة الرسمية خارجة عن السياق. لم تكن أفريقيا فحسب أفقر قارة في العالم، لكنها استطاعت المنافسة. ولعل أفضل تقييم جاء من مشجع حزين من غانا، حيث قال: «تقدموا للأمام».

* دايو أولوبيد مراسلة تغطي الأخبار السياسية لموقع «ديلي بيست» وباحثة في مؤسسة «أميركا الجديدة».

* خدمة «واشنطن بوست»