حرية رومان بولانسكي والوقاحة التامة

TT

أخيرا انتهى، بالنسبة لرومان بولانسكي، ذلك الكابوس الطويل الذي لا يوصف من الإقامة الجبرية الطويلة في فيلته المكونة من ثلاث طوابق في غالستاد، المنتجع الفاخر في جبال الألب السويسرية، وعاد المخرج الهارب، حرا مرة أخرى للتنزه في المدينة وتناول وجبة فاخرة وربما للقيام ببعض التسوق من محال كارتير وهيرميس أو لويس فيتون. أو ربما يعدو مثل فأر إلى فرنسا أو بولندا، الدولتين اللتين يحمل جنسيتهما، واللتين تصرفت السلطات فيهما وكان شهرة بولانسكي وموهبته يغفران وحشيته الجنسية مع قاصر تبلغ من العمر 13 عاما.

أنا أراهن على خيار القوارض، على الرغم أن السلطات السويسرية تبذل قصارى جهدها لإقناع بولانسكي بأن بمقدوره الاسترخاء والاستمتاع بأطايب الطعام السويسري دون أن يتكلف عناء الدفاع ضد جرائمه. كل ما فعلته السلطات السويسرية مقابل جريمته أن أجبرته على ارتداء سوار إلكتروني في كاحله لمدة سبعة أشهر كاملة، يا للهول، يا للهول. وبعد أن أعلنت السلطات يوم الاثنين رفضها طلب الولايات المتحدة تسليم بولانسكي وصف أحد محامي المخرج الشهير القرار بأنه «تعويض كبير وراحة عظيمة بعد الآلام التي عاناها رومان بولانسكي وعائلته». وأعتقد أن أقل ما يمكن أن يوصف به البيان بأنه وقاحة تامة.

ولمن أراد أن يتعرف على الآلام التي عاناها بولانسكي يجب عليه أن يطل عن قرب على القضية. ففي عام 1977، عندما كان المخرج حينها في الثالثة الأربعين، أغوى بولانسكي فتاة في الثالثة عشرة إلى منزل في هوليوود يمتلكه جاك نيكلسون - الممثل الذي لم يكن في المنزل حينها - وقدم لها المخدرات والخمر قبل أن يواقعها. وزعم بولانسكي ومحاموه أن الجنس كان برضا الطرفين. وتلك حجة قانونية سخيفة. لأن الفتاة كان أصغر من أن تعي أمرا كهذا. كما أكدت في شهادتها أمام لجنة المحلفين الكبرى أن الأمر لم يكن كما أراد أن يصوره فقالت الفتاة إن بولانسكي قال إنه يرغب في تصويرها وجعلها نجمة وأقنعها بتصويرها عارية ثم اعتدى عليها.

شهدت الفتاة بأن بولانسكي اغتصبها على غير رضاها وأنها كانت مذهولة قبل وأثناء وبعد هذا العمل. بعد ذلك وجهت إلى المخرج ست تهم هي الاغتصاب باستخدام المخدرات والتحرش الجنسي بالأطفال لكنه سمح له بالإقرار بالذنب في تهمة واحدة وهي الاتصال الجنسي غير المشروع. اعتقد بولانسكي الذي قضى شهرا ونصف في السجن أنه توصل إلى اتفاق يسمح له بالفرار بفعلته مع أقسى عقوبة يمكن أن توقع عليه بالسجن 90 يوما تحت الملاحظة النفسية. لكن القاضي عندما أعاد النظر في هذا الاتفاق المتساهل، هرب بولانسكي، ولا يزال فارا منذ ذلك الحين.

بولانسكي مخرج رائع وأصدقاؤه في هوليوود ومناصروه وقفوا موقف اللامبالي، واعتقدوا أن عبقرية هذا الرجل تفوق جرائمه. فكتبت ووبي غولدبيرغ مقالا العام الماضي قالت فيه إنه مهما كان ما حدث بين بولانسكي والفتاة لم يكن اغتصابا بالمعني الصحيح». وقام أكثر من 100 من نجوم هوليوود من بينهم مايكل سكورسيزي وميك نيكولاس وهارفي وينستين وووي آلن بتقديم التماس يطلبون فيه من السلطات السويسرية إطلاق سراح بولانسكي. أتمنى أن يكونوا قد قنعوا الآن بأن صلواتهم استجيبت.

قرار سويسرا إطلاق سراح الفنان من محبسه المحلى كان مبنياً على نقطة فنية. فقد صرحت وزيرة العدل السويسرية ايفلين فيدمر - شلومف أن الأمر «لا يتعلق بتحديد ما إذا كان مذنباً أم لا». نعم هي على حق فبولانسكي مذنب باعترافه هو شخصياً. ما قرره السويسريون هو أنه بالرغم من اعتراف بولانسكي بجرائمه وهروبه من العدالة الأميركية، يجب ألا يعاقب. ولذلك فمن غير المستغرب ألا يعرب بولانسكي عن ندمه أو أسفه لما قام به. وفي مقابلة معه عام 1979 زعم أنه يطارد لأن «الجميع كان يرغب في [أن يضاجع] فتيات صغيرات». لا يهم هنا أن الضحية، وهي الآن سيدة في منتصف العمر، غير راغبة في مواصلة القضية وتخفيف حدة الصدمة. ما يهم هو اعتراف بولانسكي بالقيام به قبل 33 عاما مضت، وحقيقة أن بولانسكي قرر الهرب بدلا من مواجهة الاتهامات.

لقد لاحظ مسؤولون سويسريون ما كان واضحاً: وهو أن بولانسكي ما كان ليزور سويسرا لو أنه شك في أنه سيضع نفسه في وضع قانوني خطر. وبما أنه ليس مرشحا لعملية مشروعة من وكالة الاستخبارات المركزية لخطفه وتسليمه للسلطات العدل الأميركية، فهو يعيش حراً الآن، الأمر ما لم يقع على نحو ما في خطأ آخر. وستعين عليه أن يلتفت حوله دائما. وهذا نوع من العقوبة ولكنها لا تكفي. ما رأيكم، إذا كان هو يبتعد عن العدالة الأميركية، لماذا لا نبتعد نحن عن أفلامه؟

* خدمة «واشنطن بوست»