لا بد من التفصيد.. حتى لا يتورد الخد

TT

قبل أن ألتحق بأكاديمية الفنون، كان لزاما علي أن أخضع لعدة اختبارات من ضمنها قدرتي على تمييز الألوان، وهذا شيء طبيعي لأن بعض الناس لديهم التباسات ولا يفرقون بين الألوان بعضها عن بعض، بل إن بين الناس من لا يتمتعون بمنظر الألوان إطلاقا، لأنهم يشاهدون الحياة مثلما يشاهد أي واحد منا فيلما سينمائيا قديما (بالأبيض والأسود).

وقد اجتزت يومها ذلك الامتحان، والحمد لله، بفراسة منقطعة النظير، في حين أن زميلة معي لم تستطع أن تتجاوز الامتحان، وذلك عندما سألها المختص عن الألوان في فستانها الذي كانت تلبسه، فخلطت بين الأزرق والأخضر وبين البرتقالي والبني، فأعطاها درجة السقوط، فانفجرت المسكينة تبكي، وبما أنها كانت فتاة وديعة وجميلة فقد عطف عليها المختص وغير رأيه سريعا وأعطاها درجة النجاح، فشكرته أنا بالنيابة عنها على حسن إنسانيته، وخرجنا معا، هي تبتسم وأنا أقفز وأقهقه وأصفق.

وإذا أردتم أن أتكلم كلاما شبه علمي عن الألوان، لقلت لكم: إنه أمر فسيح ومعقد وبسيط في الوقت نفسه، فهي التي تضفي على الحياة الكثير من الحيوية والعمق والمعنى، ولا يشعر بقيمة الألوان إلا من يفقدها، لهذا يقول المصدوم واليائس لا شعوريا: لقد اسودت الدنيا في عيني - أي إن جمال الألوان ووهجها اختفيا من ناظريه - ولم يعد يرى سوى (الأسود) - وهو لا يعتبر من الألوان.

كل الألوان جميلة، ومن يقول غير ذلك فهو لم يتمتع يوما بهاجس الإبداع، نعم كل الألوان جميلة، والمهم هو أين ومتى وكيف تضع اللون المناسب في المكان المناسب؟!، لأنك إذا لخبطت تكون قد جنيت على اللون وعلى نفسك كذلك.

فالأحمر مثلا قد يكون رمز الشجاعة والإقدام، وقد يكون أيضا رمز المذابح والفوضى.

والأرجواني قد يكون رمز العظمة والبطولة، وفي الوقت نفسه قد يكون رمز الحب والآلام والأسرار مثلما يفسره البعض.

والبنفسجي قد يجلب الانقباض والكآبة إذا وضع في غير مكانه، مثلما هو الأصفر الذي من المفترض أن يبعث على النشاط ويحفز الجهاز العصبي، هذا اللون المضيء قد ينقلب إلى ضده ويصبح لون المرض والإعياء والقنوط إذا لم يستخدم استخداما صحيحا.

ليس هناك أخطر من استخدام الألوان في حياتنا، فهي تكون نعمة وقد تكون نقمة.

هل تعلمون أنهم قد توصلوا إلى إثبات حقيقة مقنعة وموثقة، وذلك عندما غيروا الدهان الأسود الذي صبغ به جسر (بلاك فرايار) في لندن، واستبدلوه باللون الأخضر النضر، عندها نقصت حوادث الانتحار (35%). على العموم ثبت إلى الآن أن تدرج الألوان وصل إلى أكثر من (300.000) لون، وكل سنة يزيد عن السنة التي قبلها.

ولكي نختم هذا المقال الملون أروي لكم هذه الحادثة:

يقال إنه عندما تزوج الملك لويس الرابع عشر مدام دي مانتون في سنة 1684 كانت تستدعي طبيبها مرة أو مرتين في الأسبوع لكي يفصدها حتى لا تتورد وجنتاها خجلا، إذ تسمع الحكايات البذيئة التي كانت تروى في البلاط الفرنسي.

وإذا كانت هناك فتاة تتورد وجنتاها خجلا من أي نكات وتريد أن تتفصد، فلا تتردد في الإعلان عن رغبتها، لأنني أعرف طبيبا يحسن التفصيد.

[email protected]