«سي إن إن» ليست عابرة للحدود

TT

«الأخبار ليست فقط ما نراه على الشاشة.

هناك طرق مختلفة لتغطية الأحداث.

النقطة الأساسية هي أن يتواصل الناس، من كل الأعراق ومن كل المجتمعات ومن مختلف وجهات النظر، عبر التلفزيون وعبر الإنترنت.

هناك طرق خلاقة لتغطية الأخبار.. اذهبوا أبعد من الحدود»..

تلك العبارات وردت في مقاطع ترويجية على لسان مجموعة من المراسلين والمذيعين في شبكة «سي إن إن»، وهي جمل تمت صياغتها وتنفيذها على نحو يشعر المشاهد ويثبت في وعيه فكرة أن القناة العالمية هذه هي قناة عابرة للحدود وأن مراسليها وفريقها متنوع ويعكس مختلف وجهات النظر ويقدم لمشاهديه تغطية غير تقليدية للأحداث.

إنه فخ الترويج الذي وقعت فيه «سي إن إن»، والأرجح أن معظم الإعلام يقع فيه وإن بتفاوت..

فالفكرة التي يجهد الجميع لإعلانها كهوية مهنية له هي التنوع وفهم الآخر والعالمية، لكن غالبا ما تبدو هذه العبارات فارغة، ويبدو حاملو لوائها منافقين وفاقدي المصداقية..

هكذا بدت قضية إقصاء رئيسة قسم الشرق الأوسط في «سي إن إن» أوكتافيا نصر لأنها عبرت على موقع «تويتر» عن تأثرها برحيل المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، بمثابة فشل مهني وأخلاقي أولا للقناة الأميركية، وإنذار لنا بمدى التغيير الذي يحصل على معنى الإعلام والتناقضات التي نقع وسنقع فيها إن لم نستوعب هذه التحولات ثانيا.

فالـ«سي إن إن» كغيرها من قنوات ومواقع الأخبار تحث فريقها من مراسلين ومذيعين على الانخراط في الإعلام الحديث، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، وتأسيس علاقة شبه حميمة وشخصية مع المشاهدين والقراء. هذه العلاقة الحديثة العهد بين الصحافيين كأفراد وجمهور واسع متنوع هي علاقة من خارج الأطر التقليدية لأي مؤسسة. وأي إدارة صحافية تحاول جعل آراء الموظفين والمراسلين والمذيعين فيها آراء متجانسة هي إدارة ساذجة وحتما لا تعكس الروح التي يبثها الإعلام الحديث.

هذا التماس بين الصحافة وجمهورها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أضفى بعدا جديدا على مفهوم الصحافة والإعلام. هذا الجمهور لا يتواصل مع أهل المهنة ليسمع أو يتابع ما يمكن أن يراه عبر الشاشات أو المواقع الرسمية للمؤسسات الإعلامية، بل ليعرف بعدا آخر مكملا للقصة وللخبر؛ إنه البعد الشخصي الذي يدفع بقارئ أو مشاهد لأن يسأل ويلح ويعلق ويستفز ويعبر عن استياء أو إعجاب. وعلى الصحافي أن يتفاعل على نحو يمتزج فيه الموقف الشخصي بالمهني.

لقد تغير معنى الموضوعية.

من حق الصحافي أو الإعلامي أن يكون صاحب رأي، لكن عليه أن يثبت رأيه وأن يجادل فيه ويقنع وأن يكون حساسا في مقاربته. هنا لا نتحدث عن الدعاية المباشرة وعن السباب والقدح، وهي أمور باتت ملازمة لأسماء وأقلام عربية وغربية، بل عن تلك المقاربة التي يفرضها عالمنا الحديث، التي لا يبدو فيها تعبير أوكتافيا نصر بـ140 كلمة عن رأي ما خروجا عن معايير المهنة.

منذ حادثة الإقصاء التعسفي لأوكتافيا نصر، لم أعد أشاهد الإعلان الترويجي الذي يتحدث عن عالمية مراسلي «سي إن إن».

قد أكون مخطئة وربما يعاد بثه، أو ربما شعر المشرفون على البرمجة بالخجل من بثه ثانية..

diana@ asharqalawsat.com