الحرب وشيكة في السودان

TT

يشكك الأميركيون، لعدد من الأسباب الوجيهة، في قدرتنا كدولة على التأثير بإيجابية على الأحداث في الخارج، فنحن نشارك في نزاعين مشكوك في نتائجهما، وبدأنا نتساءل عما إذا كانت أي خطوة سنخطوها، في أي مكان، ستكون صائبة أم لا. لكن المتابع لتاريخ الولايات المتحدة يعلم أنها قامت قبل وقت ليس بالطويل بالقيام بعمليات تدخل خارجي بصورة جريئة أدت إلى نتائج إيجابية لا يمكن التشكيك فيها.

خلال الفترة من عام 1983 وحتى عام 2005 قتل أكثر من مليوني شخص وأجبر أربعة ملايين مواطن على مغادرة منازلهم في جنوب السودان خلال الحرب بين الحكومة وجيش التحرير الشعبي. وفي أعقاب وقت قصير من تسلم جورج بوش مقاليد الرئاسة قرر تسخير الجهود الدبلوماسية بشكل كامل لإنهاء هذه الحرب، التي تعد واحدة من أكثر الحروب دموية في القرن العشرين.

وقد حقق نجاحا في ذلك. ففي عام 2005 ساعدت الولايات المتحدة كوسيط في التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين الحكومة السودانية والجنوبيين. وقد كانت تلك لحظة مهمة في تاريخ الدبلوماسية الدولية، والمثال الأوضح لما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة عندما تركز نفوذها بصورة فاعلة.

في هذا الاتفاق الواضح والبسيط والقابل للتفعيل حصل جنوب السودان على ثلاثة أمور جوهرية: «مشاركة قوية في الحكومة المركزية في الوقت الذي حظي فيه بحكم شبه مستقل واقتسام عائدات النفط مناصفة (حيث تكمن غالبية مناطق النفط في الجنوب)، وكذلك القدرة على التصويت على الانفصال عبر الاستفتاء.

الاعتقاد السائد في السودان أنه عندما يأتي الاستفتاء سيصوت الجنوبيون بأغلبية ساحقة لصالح الانفصال. فمنذ استقلال السودان عام 1965 تم تهميش الجنوب، وإرهابهم وخضعوا لانتهاكات لا تعد ولا تحصى لحقوق الإنسان تحت الأنظمة المتتالية في الخرطوم، ومن ثم ينظر إلى تشكيل حكومة مستقلة في الجنوب على أنه حق مقدس. لكن الاستفتاء الذي تقرر له شهر يناير (كانون الثاني)، على مبعدة ستة أشهر فقط، وكل الدلائل تشير إلى أن الخرطوم ستقوض عملية التصويت أو لن تعترف بنتائجها. فأوقف حزب المؤتمر الوطني كل الأجزاء ذات الصلة باتفاق السلام، والانتخابات الوطنية والمحلية في أبريل (نيسان) - التي يتفق جميع المراقبين الدوليين على أنها جاءت عبر التزوير - تأتي كسابقة تنذر بالشر.

وإذا جاء شهر يناير (كانون الثاني) ومضى من دون وقوع الاستفتاء، أو إذا تم التلاعب بالنتائج،فسوف يندلع القتال مرة أخرى، فكلا الجانبين يسلحان نفسيهما منذ توقيع اتفاقية السلام، لذا سيكون تجدد العنف بين الشمال والجنوب أكثر من أي وقت مضى. وإذا ما عادت الحرب في الجنوب سيتفجر النزاع في دارفور، غرب السودان، مرة أخرى.

السماح بانهيار هذا الانتصار للدبلوماسية الدولية وترك شعب جنوب السودان عرضة للظلم أمر لا يحمل وازعا من ضمير. لكن التساؤلات صارخة: ماذا يمكن أن تفعل الولايات المتحدة للحيلولة دون حرب يمكن أن تزهق الملايين من الأرواح؟ كيف يمكن للولايات المتحدة أن تؤثر مرة أخرى في سلوك حكومة مستعدة لارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سبيل الاستئثار بالسلطة.

من المؤكد أن هذه الأسئلة تثير قلق إدارة الرئيس أوباما، وقد عبر عن ذلك الجنرال سكوت غريشن المبعوث الخاص للإدارة الأميركية إلى السودان في قوله: «ليس لدينا حقا أي نفوذ أو ضغوط».

لكننا بالفعل نملك الضغط، فالسلام في السودان تملكه الولايات المتحدة. وتطوير سياسة قوية من العصا والجزرة - التي استبعدت تعدد الأطراف قدر الإمكان والتصرف بأحادية عند الضرورة - ستعزز اليد الدبلوماسية للولايات المتحدة ولن تضعفها.

وأعتقد أن الضغوط التي تم التلويح بها يجب أن تشمل فرض عقوبات على مسؤولي الحزب الحاكم، ومنع تخفيف الديون من قبل صندوق النقد الدولي، وتأييد قرارات الاعتقال الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية (ومن بينها القرار الذي أصدرته المحكمة يوم الاثنين الماضي بحق الرئيس حسن عمر البشير بارتكاب جرائم إبادة جماعية)، وتشديد حظر السلاح، وتقديم المزيد من الدعم للجنوب.

كي تنجح هذه الجهود الدبلوماسية لا بد من وجود حوافز على الطاولة أيضا: ففي حالة - فقط - تحقق السلام في جنوب السودان يمكننا تعليق مذكرات الاعتقال من المحكمة الجنائية لمدة عام وتطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم. وينبغي نشر فرق تفاوض أميركية من ذوي الخبرة في الحال لدعم جهود الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بين الشمال والجنوب كما حدث خلال اتفاق عام 2005.

دائما ما يقول بيل كلينتون إن أكثر اللحظات التي أسف عليها خلال رئاسته أنه لم يقم بالمزيد من الجهد لوقف المذابح العرقية في رواندا عام 1994. وكانت هناك علامات على أن المتاعب كانت تختمر قبل فترة طويلة من بدء القتل، ولكن عندما بدأت المذابح لم يتمكن كلينتون والمجتمع الدولي من التصرف بشكل حاسم.

هذه هي لحظة رواندا بالنسبة للرئيس أوباما، وقد بدأت تتكشف الآن ببطء. ولم يفت الوقت بعد لأن نمنع الحرب القادمة في السودان وأن نحمي السلام الذي ساعدنا في إقامته قبل خمس سنوات.

* ديف إيغرز صحافي ومؤلف كتاب «ما هو الشيء؟»

* جون برندرغاست المؤسس المشارك في مشروع كفاية، والذي شارك دون شيدل في تأليف كتاب «حركة كفاية: النضال لإنهاء أسوأ جرائم ضد حقوق الإنسان في أفريقيا».

* خدمة «نيويورك تايمز»