المسلمون ينقذون ألمانيا!

TT

في وعي المجتمع الأوروبي اليوم، هناك نوعان من المسلمين، نوع يدعو إلى الاحترام لأنه يتبنى الاحتراف، ونوع لا يمل ولا يكل من التململ والشكوى، وخلق في الغرب من خلال سلوكه حالة من الرفض والنبذ. والغرب ليس كاملا في سلوكه حتى لا يخطئنا البعض، ففي الغرب متطرفون مثلما عندنا. وكانت لطمة لمدعي النقاء العرقي في عصر العولمة أن يكون الذي رفع الضربة الركنية التي حسمت المباراة بين الأوروغواي وألمانيا لصالح الألمان، كان الألماني التركي المسلم مسعود أوزيل، والذي سجل الهدف كان الألماني التونسي المسلم سامي خضيرة. المسلمان حققا لألمانيا برونزية كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا. هكذا من سخرية القدر، ورغم الإسلاموفوبيا المنتشرة في أوروبا وخصوصا ألمانيا، نجد أن الشابين المسلمين أوزيل وخضيرة هما اللذان أنقذا ألمانيا في اللحظات الأخيرة من مباراة المنافسة على الترتيبين الثالث والرابع في نهائيات كأس العالم، وربما لهذا السبب سيرتفع سعر أوزيل وخضيرة في بورصة كرة القدم بشكل لافت في الأيام القليلة القادمة.

رغم كل هذا، يجب ألا نقلل من قدرات الفريق الألماني ونجعل النصر صنيعة الشابين المسلمين وحدهما، ففريق ألمانيا فريق متميز ويضم لاعبين بقدرات خارقة مثل اللاعب الكامل شفاينستافا والهدافين كلوزه وموللر، وهو الفريق الذي لقن الأرجنتين درسا في فنون الكرة. لست بمعلق رياضي يؤخذ برأيه في هذه القضايا، فرأيي لا يختلف عن سلوك أخطبوط كأس العالم. ولكن أين هو المعلق الرياضي الذي يجب الاستماع إلى رأيه، إذا كان الأخطبوط الذي لا عقل له قد استطاع التنبؤ بنتائج آخر ثماني مباريات بدقة متناهية أفضل من كل المعلقين الرياضيين؟ السر بالطبع ليس في الأخطبوط العجيب، بقدر ما هو سر الكرة التي تخالف كل التوقعات والتنبؤات.

النقطة في هذا المقال ليست الأخطبوط ولا نتائج كأس العالم، ولكن النقطة الأساسية هي أن سامي خضيرة ومسعود أوزيل هما مسلمان يعيشان في الغرب لم يشتكيا من سوء المعاملة ولم يلعنا الغرب الكافر ولم يقعدا على معونات الدولة مفضلين الراحة التامة كما يفعل بعض المسلمين ممن يفضلون ندب حظهم ويبكون ويشتكون ويقفون أمام مكاتب الخدمات لتلقي المعونات، بل نحن أمام نموذجين لشابين من أسر مسلمة مهاجرة انخرطا في مجتمعهما وأثبتا نجاحهما بحرفية عالية، أي إذن كلما كان المسلم محترفا استطاع أن يفرض احترامه على الآخرين. وهذا ما حدث في ألمانيا رغم أنف المتطرفين، وهذا ما حدث في فرنسا أيضا حين علقت صور زين الدين زيدان على مواقف الحافلات وفي شوارع باريس. الألمان والفرنسيون هتفوا باسم خضيرة وأوزيل وزيدان، ولم يكن التركيز على الهوية الدينية ولا العرقية.

الغرب يحترم المسلم الجاد، أما المسلم الذي يتزوج من دون أن يعلن زواجه للحكومة في بريطانيا مثلا ويخلف من زوجته لتدعي فيما بعد أنها (أم عزباء) حتى تحصل على شقة مجانية من الدولة في استغلال بشع لنظام الخدمة الاجتماعية، فهذا مسلم لا يستحق الاحترام.. سمعت قصصا عجيبة منها أن المفتشين الخاصين بإسكان الدولة لـ(الأمهات العازبات)، اللاتي يربين أولادهن من دون شريك، عندما يذهبون إلى بيت إحداهن ويجد عندها زوجها فيسألها من يكون هذا الرجل، فتقول له إنه مجرد صديق. لا أدري إن كان هذا الإنكار للزواج أمام مفتش حكومي يجعل الزواج نفسه باطلا من حيث الشرع أم لا؟! هذا أمر أتركه لرجال ونساء لعلهم يناقشونه. ظني – وبالحدس – أنه بمجرد اعتراف المرأة والرجل أمام الشرطة بأنهما غير متزوجين، فهذا يجعل الزواج باطلا.

المهم في كل هذا هو أن لدينا في الغرب فئتين من المسلمين، الفئة الأولى مكافحة محترفة تنخرط في الحياة الخاصة بالدول المضيفة حسب قواعد اللعبة، تختلف وتتفق بالحوار والنقاش، ولدينا فئة من النصابين. وبكل أسف، مجتمعنا العربي لا يحتفل بإنجازات المحترفين بقدر ما يتحمس لشكاوى النصابين الذين لا يكلون ولا يملون من الشكوى. آن الأوان أن يحتفل الغرب والشرق بمن أنجزوا ويجعلوا منهم أساسا للحوار، فالجسور بين الشرق والغرب أهم بكثير ممن يريدون تقطيعها.