«أيلول الأبيض».. والله أعلم

TT

هنالك أكثر من حيثية تجعلنا نفترض أن شهر سبتمبر (أيلول) 2010 سيكون «أيلول الأبيض» الذي سيبدد من ذاكرة المجتمع الدولي المشهد الأيلولي المزدوج الناشئ عن «أيلول أسود» عربي وآخر أميركي.

الأيلول الأسود العربي بدأ أردنيا - فلسطينيا وانتهى حدثا مأساويا عام 1970 في القاهرة حيث إن الرئيس جمال عبد الناصر - وبعدما كان استضاف يومي 27 و28 سبتمبر في فندق «هيلتون النيل» قمة مصغرة نوعية شارك فيها الملك فيصل بن عبد العزيز والملك حسين والشيخ صباح السالم أمير الكويت والرئيس السوداني جعفر نميري والرئيس اللبناني سليمان فرنجية والباهي الأدغم الممثل الشخصي للرئيس التونسي الحبيب بورقيبة (الجميع في ذمة الله) والعقيد معمر القذافي، لوقف الاحتراب الأردني - الفلسطيني، وحققت القمة اتفاقا في هذا الشأن - ودع القادة المشاركين وكان آخرهم أمير الكويت، ثم شعر بإرهاق شديد وهو يغادر المطار إلى منزله، وتبين أن الإرهاق والإغماءة العابرة التي أصابته بعدما لوّح للشيخ صباح مودِّعا كانت بداية نوبة قلبية ما لبثت أن بلغت مداها بعدما كان تمدّد على السرير في غرفة نومه يحيط به الأطباء ثم فاضت روحه إلى باريها عن 52 سنة.

أما «الأيلول الأسود» الأميركي فهو الذي كان عام 2001 عند حدوثه يوم 11 سبتمبر، وكان عبارة عن عملية ترهيبية لا مثيل لجسارة الذين نفذوها وتعدّدت التفسيرات لها والتخمينات في شأن الجهة التي كانت وراءها، حيث إن تفجير طائرة ركّاب بمبنى التجارة العالمي في نيويورك لم يكن فقط عملا غير مسبوق، وإنما كان من العمليات التي تتطلب «كونسلتو» استخباراتيا متمرسا في غواية التدمير والترعيب وبحيث ينشأ عن العملية التي ينم عن تنفيذها ضرب علاقات وحقن نفوس بالكراهية للعرب والمسلمين.

وهذا ما حدث بالفعل واستوجب ترميم التصدعات التي نشأت بذل جهود كانت تأخذ من طريق خطط يمكن أن تثمر نتائج طيبة لمصلحة الاستقرار.

نحن الآن أمام احتمال أن نعيش «أيلول الأبيض» بعد شهرين، ذلك أن بداية خيبة الأمل بالرئيس الأميركي باراك أوباما تراجعت إلى حد كبير بعد اللقاء الذي جرى في البيت الأبيض يوم الثلاثاء (6/7/2010) بينه وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي جاءه مختلفا بعض الشيء هذه المرة. هذا إذا كنا لن نقول إنه جاء صاغرا وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ اللقاءات الخمسة حتى الآن لرئيس الحكومة الإسرائيلية (نتنياهو) الذي طالما كان يراهن على خبرته بنقاط الضعف الأميركية أمام إسرائيل، ونقاط القوة تمارسها الإدارات الجمهورية والديمقراطية ضد كل العاتبين من الأصدقاء العرب والمسلمين على هذه الإدارات، لأنها لا تأخذ في الاعتبار مخاطر تراكُم الكراهية في النفس العربية - الإسلامية نتيجة عدم احتكام هذه الإدارات إلى المنطق في تعاطيها مع الصراع العربي - الإسرائيلي عموما وفي ممالأتها للباطل الإسرائيلي عدوانا في الحد الأقصى واستهانة بأي مبادرة لتحقيق التسوية. ولأنه جاء مختلفا أو صاغرا أو بينَ بينَ فإن نتنياهو لقي في هذه المرة الاستقبال الودي من جانب الرئيس أوباما بدءا بالإقامة في «بلير هاوس» الذي يحل فيه الزوار الرسميون ثم ببوابة الدخول للتحادث على مدى ساعة ونصف الساعة ومن دون الحاجة إلى مترجم وانتهاء بالمؤتمر الصحافي والتوديع الحميم بعد الغداء إلى حيث السيارة واقفة وبينهما الصورة والابتسامات تبثها الفضائيات.

وعند المقارنة بين الذي حدث خلال الزيارة السابقة في مارس (آذار) حيث لم يحظ نتنياهو بكل الذي نشير إليه، أي لا صورة ولا لهفة ولا إقامة رئاسية، وأكثر من ذلك التعامل معه على طريقة تعامل الخارجية الإسرائيلية قبل أشهر مع السفير التركي، حيث أبقاه مع المساعدين ويقال له إن الاجتماع بالرئيس سيتم بمجرد انتهائه من تناول الغداء مع زوجته وابنتيه (وهو أمر متعمَّد من جانب الرئيس أوباما).. إننا عند المقارنة نجد أنفسنا نميل إلى الافتراض بأن «أيلول الأبيض» آت، وأن الدورة العادية للجمعية العمومية للأمم المتحدة قد يتم تتويجها بإعلان الشروع في التسوية وبحضور بعض القادة العرب الذين يكونون أنهوا قمتهم الاستثنائية المتفق خلال القمة العربية الدورية في «سرت» على عقدها.

هل ما نشير إليه هو مجرد الأمل بخير يتحقق بالتفاؤل، أم أن الرئيس أوباما - الذي زاده كلام الملك عبد الله بن عبد العزيز اقتناعا بالإقدام ثم جاء التحذير التركي وإلى درجة التلويح بقطع العلاقات يعزز هذا الاقتناع - ارتأى أن يضغط على نتنياهو، وذلك من خلال إبلاغه أن أي تأخير لتسوية الموضوع الفلسطيني والصراع العربي - الإسرائيلي معناه أن تفقد أميركا مهابتها وتفقد إسرائيل ديمومتها. وأما طوق النجاة من هذا الاحتمال الوارد بقوة وكما لم يكن وروده بهذا الشكل من قبل، فإنه باغتنام الفرصة الذهبية المتمثلة في معادلة جديدة على لعبة الصراع؛ وهي أن العرب لديهم مبادرة ما زالت على الطاولة، وأن الإدارة الأميركية ومعها المجتمع الدولي وبالذات دول الاتحاد الأوروبي ترى أن هذه المبادرة هي خير علاج للعلة التي تنزف ويلات على أصحابها وأصدقائهم من القطب إلى القطب.

ونخلص إلى القول: إننا من باب التفاؤل بالخير يمكن أن نرى في الحالة الأميركية - الإسرائيلية المستجدة - التي يجوز اعتبارها صفقة على خلفية مصالحة أو استراتيجية علاقة جديدة غير الذي كان سائدا من عهد الرئيس ترومان إلى عهد الرئيس بوش الابن - ملامح «أيلول أبيض» قد يحدث بين الفطر السعيد والأضحى المبارك، والله أعلم. ويكون حدوثه تأكيدا لاقتناع العالم المسيحي للمرة الأولى بأن الله، سبحانه وتعالى، يريد أن يسود السلام على الأرض وتستقر المسرة في نفوس العباد.