هل يجلب المال السعادة للموظفين؟

TT

يبدو أن الاعتقاد الشائع بأن المال يجلب السعادة لم يعد ينطبق على الأقل على البريطانيين، حيث كشف استطلاع للرأي أجري قبل أيام عن أن أسعد البريطانيين هم من «لا» يتقاضون أعلى الأجور، فعندما سئل المشاركون الذين تتراوح دخولهم السنوية بين 10 و70 ألف جنيه إسترليني تبين أن أسعد هؤلاء هم من يتقاضون أجورا تصل إلى 50 ألف جنيه إسترليني في السنة أي 6320 دولارا أميركيا شهريا تقريبا.

ليس هذا فحسب، بل تبين أنه كلما زاد الثراء زادت التعاسة، إذ أقر من يتقاضون 70 ألف جنيه إسترليني في السنة بأنهم لا يتمتعون بمقدار السعادة التي يتمتع بها أصحاب الـ50 ألف جنيه. ولكن المفارقة هي أن 72 في المائة قالوا إن «امتلاكهم قدرا أكبر من المال سيجعلهم أكثر سعادة!» فهل فعلا يجلب كل فلس أو ريال إضافي السعادة؟

لو كان الأمر كذلك لما قرر أغنى رجل في العالم بيل غيتس التبرع بنصف ثروته، ولما تبرع أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بماله كله، ولما تمنى الأثرياء المصابون بأمراض مزمنة أن تؤخذ ثرواتهم في مقابل أن ينعموا بساعات من الصحة والعافية.

والملاحظ أن من الناس مَن يؤجل سعادته حتى يحصل على مراده المادي، كالترقية، أو الزيادة في الدخل، أو النجاح في اختبار مهني معين، بل وتجد بعض النساء ممن تحمل على رأسها هموم الدنيا تظن أنها سوف تدخل إلى السعادة من أوسع أبوابها إن هي أجرت عمليتها الجراحية التجميلية (غير الضرورية) أو عندما ترزق بمولود آخر وغيرها!

السعادة ليست بالضرورة في جني الأموال الطائلة، بل ربما تكون في تحقيق أهداف بسيطة ولكنها مهمة، كما في الحديث الشريف: «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهانئ).

مشكلتنا مع السعادة ليس المال فقط، وإنما في اختيارنا لوظيفة لا نحبها، رغم أننا نقضي فيها جل وقتنا، فنشعر بالضيق والملل طوال اليوم. وقد ذكرت في كتابي «هل أنت سعيد في عملك؟» دراسة أجرتها منظمة «غالوب» الأميركية الشهيرة أظهرت أن الغالبية العظمى (65 في المائة) من السعداء في أعمالهم قالوا إنهم سعيدون في حياتهم الشخصية، في حين قال ما لا يتجاوز ربع «غير السعداء» في أعمالهم (24 في المائة) إنهم يشعرون «بغاية الرضا» عن حياتهم الشخصية.

ليس هذا فحسب، بل إنه عندما سئل المشاركون السؤال التالي: هل واجهتكم في أعمالكم الشهر الماضي أيام صعبة اضطرتكم إلى التصرف بصورة سلبية مع أسركم أو أصدقائكم؟ أجاب نصف «غير السعداء في أعمالهم» (51 في المائة) بنعم.

إن عدم تحقيقك لمرادك المادي في العمل لا يجب أن يجعلك مهموما مغموما بل ينبغي أن يدفعنا لأن نعيش كل لحظة سعيدة ونحن في غاية الاستمتاع، ونجد ونجتهد لتحقيق ذاتنا، وندع الباقي على الرزاق سبحانه وتعالى. ولنتأمل جيدا هذا الحديث النبوي الجميل: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت (أي جمعت) له الدنيا بحذافيرها».

[email protected]