(أم علي).. بين أهل المدينة وأهل مصر

TT

لست نهمًا في تناول الطعام، ولكن يستهويني تذوقه، كما أنني من أجبن الجبناء في الإقدام والتجريب وتناول أي طعام لا أعرف مكوناته، لهذا لا أجد صعوبة تذكر لو مر علي يوم أو يومان من دون أن آكل، مكتفيا بالسوائل التي يحبها قلبي؛ ابتداء بالماء، وانتهاء بالشوربة، مرورا بالعصائر المختلفة والمتعددة الألوان.. يعني باختصار: «مرفه على حالي بأبسط وأرخص الأشياء والعناصر».

والذي دعاني اليوم إلى كتابة هذا الموضوع هو ما قرأته عن المعركة الحامية الوطيس بين ألمانيا وإيطاليا. وقد نشبت تلك المعركة لأن كل دولة منهما تدعي أمومتها لجبنة (البارميزان)، واتجهتا إلى المحكمة الأوروبية وفق أنظمة الملكية الفكرية، التي يرمز لها بـ(AOC)، وكسبت إيطاليا القضية، وأقامت مدينة (بارما) بعد هذا الفوز الكاسح حفلة راقصة اشتركت في إحيائها مئات الراقصات الفاتنات في شوارع المدينة، وكانت أطباق (الاسبكتي) تأتي وتذهب مجللة بجبنة البارميزان مع أقداح لا حصر لها من شراب العنب الأحمر.

والحديث عن معارك الجبن لا ينتهي، فهناك على سبيل المثال معارك لا تنقطع بين سويسرا وفرنسا على الاستئثار بشرف انتماء بعض الأسماء إليها مثل: الغروير والامنتال والروكفور والكانتال، وبعض تلك المعارك والقضايا بدأت منذ سنة 1939 ولم تحسم إلا سنة 2001. وللمعلومية، فكل دولة منفردة منهما لديها ما لا يقل عن (400) صنف من الجبن. وحسمت اليونان معركتها التي استمرت 13 سنة ضد الدنمارك حول جبنة (الفيتا).

وليست المعارك هي بالجبن فقط؛ فها هي الصين اليوم ترفع صوتها وتريد أن تسحب بساط (المكرونة) من تحت إيطاليا، على أساس أن الرحالة (ماركو بولو)، هو الذي جلب معه هذا الصنف من الصين قبل سبعة عقود، في حين أن إيطاليا لا تريد أن تعترف بذلك، بحكم أنها هي التي طورته وحسنت من مذاقه.

وكيف لنا أن ننسى المعركة الطاحنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن هو الذي له الحق في أن تنسب إليه: التبولة، والفتوش، والطعمية، والحمص، والمتبل.

كما أن سورية تفخر (بشاورمتها)، في حين أن تركيا تقول: إنها صاحبة ذلك الاختراع العبقري ولها الكعب المعلّى فيه.

والإسبان كذلك يفخرون بأكلتهم الشعبية الأولى وهي (البائية)، بينما يصر العرب أن هذه التسمية تعني (البقية)، وهي بقايا طعام أكلهم الذي كانوا يتصدقون به على فقراء الإسبان عندما كانوا يحكمون الأندلس.

حتى (الكليجا) في السعودية، وهي ضرب من الفطائر، يدخل في مكوناتها القمح والتمر والسمن، ينشب على الدوام خلاف بين منطقتي حائل والقصيم، وأيهما لها الحق في ادعائها، وأيهما أجود من الأخرى في عملها؟! وقد حدثني الأستاذ علي الحسون عن سبب تسمية «الحلى» (أم علي)، فقال: «إنني كنت يوما عند الشيخ أحمد زكي يماني، واطلعت على مخطوطة قديمة لديه تقول: إن أحد كبار المماليك قدم من مصر إلى المدينة، ومن عادات أهلها في ذلك الوقت أنه إذا قدم إليهم ضيف يتسابق أهل كل بيت في أن يقدموا له طبخة معينة، وكانت هناك امرأة فقيرة تكنّى (أم علي) لم تجد ما تقدمه غير خبز رقيق صبت عليه قليلا من الحليب والعسل، وطبخته على النار، ثم قدمته للضيف، وأعجب به أيما إعجاب، إلى درجة أنه عندما رجع إلى مصر، أصبح لا يتناول مع وجباته إلا ذلك الطبق وأطلق عليه اسم (أم علي) المدينية. ومع الوقت، حذفوا كلمة المدينية». فقلت للأخ علي الحسون: بما أنك من أهل المدينة.. لماذا لا ترفع قضية على أهل مصر لأنهم استأثروا بهذه الأكلة التي اخترعتها مواطنتكم (أم علي) ونسبوها لأنفسهم.

شمّر عن أكمامك يا رجل وارفع قضية.

[email protected]