كرسي الرئاسة السودانية

TT

ليس ثمة ما هو أسخن من كرسي الرئاسة السودانية الذي يجلس عليه الرئيس عمر البشير، فمنذ أن جاء إلى السلطة قبل أكثر من عشرين عاما، وهو يخوض في بحر من المشكلات، ينطبق عليه القول: «وإذا ما التأم جرح جد بالتذكار جرح»، ولعل آخر الجروح الاتهامات المتصاعدة ضده من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لكن أفدح هذه الجروح وأكثرها إيلاما أن يحدث في عهده تقسيم السودان، إذا ما مضى مشروع انفصال الجنوب إلى نهايته الفادحة.

ومن الإنصاف القول إن جل حرائق السودان موروثة من عهود سابقة، ومحاولات إطفائها قضية على درجة كبيرة من التعقيد، وهذا لا ينفي أن البشير بطبيعته تعامل مع هذه القضايا في بعض المراحل من خلال منظور عسكري بحت يفتقر إلى المرونة، فشخصيته التي تتسم بالصلابة والتحدي كثيرا ما تسم علاقاته بالتوتر، ففي أجندة الرئيس ليس ثمة ترتيب للأولويات، فجميعها تطفو على السطح دفعة واحدة، والدليل أنه وسط طوق الأعداء الذي يحيط به من كل الجهات، لم ينس أن يذكّر مصر - وهي من الأصدقاء القلة - بمسألة «حلايب»، حتى لو أضاف إلى الخصوم خصوما.

ووسط كل هذه الظروف وغيرها يمكن القول إن السودان قد تعب كثيرا، أحاط به الكثير من الحظوظ العواثر؛ فالسوداني، الذي كان سيد الفرح، كسرت قلبه رياح الغربة والمعاناة وصعوبات الحياة، فبلده الذي ظل ينعت طويلا بسلة الغذاء تآمرت عليه المجاعة وكتائب الأحزان، وما زلت أذكر - على الضفة الأخرى من البحر - كيف كانت تفد المراكب من موانئه محملة بالسمسم، والفول، والذرة، والعطور، والبخور، وهدايا المحبين، وكانت صورة السودان في خيالاتنا بحرا، ومجدافا، وموالا، وفرحا، ومركبا.

إن صورة السوداني العالقة في ذاكرة الطفولة تتمثل في صورة الرجل الأنيق، الفخم، المرح، المثقف، الذي أتى إلينا معلما، وطبيبا، ومهندسا، وخبيرا، ولاعب كرة، فأحببناه وأحبنا، ومنذ تلك الأيام الخوالي ظل السوداني قريبا من النفس، ويسبق الكثيرين غيره ألفة وطيبة وصدقا، ولذا كثيرا ما يشعر المرء بأنه يشارك السودانيين خندق الأمل في غد أكثر بهاء، يليق بالســـودان وأهله.

[email protected]