الروح السبورتية

TT

يكتئب الإنجليز الآن بصدد فشلهم المتواصل في معظم المباريات. أخفقوا بالتنس وبالمونديال وبالكريكت وكل ما شاركوا فيه. راح القوم يتساءلون ما السر؟ أدلوا بشتى التفسيرات وطرحوا شتى الحلول. إنهم إنجليز ويصعب عليهم معرفة مرضهم، ولكنني كأجنبي أحس بسره. ويكمن السر كما أرى في الروح الإنجليزية التي تتسم (بصورة عامة) بالاعتدال والسماحة والصدق واللاعنف. وهذه صفات لم تعد تنسجم مع أساليب الرياضة الآن. أصبح الكثير منها يتوقف على الغش. خسروا قبل سنوات كأس العالم عندما سجل مارادونا هدفا بيده. وخسروا المونديال الحالي لأن حارس المرمى الألماني تستر على تجاوز الكرة خط الهدف. ووصل فريق الباراغواي إلى شبه النهائي بضربة يد أيضا. واعتاد اللاعبون الآن على التظاهر بتعرضهم لخطأ جزاء. أصبح هذا الغش في التظاهر فنا يتدربون عليه. ويدافع المعلقون عنه.

أصبح الفوز يتطلب روحا اعتدائية، كثيرا ما أفضت إلى إصابة الطرف الآخر بكسر يخرجه من الملعب، وربما يمنعه من اللعب لأشهر. لا تنسجم مثل هذه الممارسات مع الروح الإنجليزية كما أعرفها عن كثب. كلمة «سبورت» لا تعني عندهم مجرد الرياضة وإنما تعني مجموعة من القيم الأخلاقية: السماحة، اللطف، الكرم، الصدق والرقة في التعامل. يقولون لك «كن سبورت وهات لي كأسا من البيرة». يحذرونك من إساءة السلوك ومقاطعة كلام الآخرين فيقولون لك: «كن سبورت أرجوك». وعندما يتجاوز وزير وعوده أو برنامج حزبه يقولون: «ما هذا بالكريكت».

كل الألعاب العالمية تقريبا ابتكرها الإنجليز ووضعوا قواعدها. مارسوها وكانوا يفوزون بها غالبا، ولكن دخول أقوام جديدة إلى الميدان وتعاظم روح المنافسة بتأثير الطمع بالملايين، مما لم يكن معروفا من قبل، أخذ يتناقض مع روح «السبورت» الإنجليزية. أصبح الموضوع «بزنس» وليس «سبورت». ولهذا أصروا في بعض الألعاب، كالرغبي، على منع اللاعبين من التحول من هواة إلى محترفين وقبض أجور عن عملهم.

أخذ الاحتراف والتطلع إلى كسب الملايين، يتطلب إعدادا وتدريبا مضنيا طوال الحياة ومنذ الطفولة. يتربصون للأولاد في المدارس. حالما يجدون موهبة رياضية في أحدهم، يتصلون بأبويه ويعرضون عليهما تكريسه للعبة. يأخذونه بعيدا عن أسرته، أحيانا لبلد بعيد آخر، أميركا مثلا. يسكن كالمجند في مؤسسة تخضعه لنظام دقيق من العيش، كيف وماذا يأكل، متى ينام، متى يستيقظ، ماذا يعمل خلال النهار، تدريب وتدريب وتدريب، توجيه وتوجيه وتوجيه، غسل دماغ 24 ساعة. حياة عبودية يخسر الطفل طفولته وصباه ومراهقته وعواطفه. وتنتهي التضحية غالبا بالفشل. فنسبة الوصول إلى النجومية والبطولة العالمية ضئيلة جدا، إلا لمن قدر له الله واصطفاه.

عرضوا مثل ذلك لولدي آدم. قلت لا. لن أسمح بذلك. أريده يستمتع بطفولته وصباه وحريته وعواطفه وعائلته. ما الملايين بالنسبة لمن يضيع حياته؟ وهذا في الواقع موقف أي عائلة إنجليزية. الكرة والرياضة عندهم متعة وهواية ولن ينجحوا فيها ضد من حولوها إلى عبودية وبزنس.