الأخلاق جمال

TT

أخلص من قراءة حوارات أجراها ماجد صالح السامرائي مع الأديب الفلسطيني الراحل جبرا إبراهيم جبرا، إلى أن لا حياة لشيء خارج الأخلاقيات. هنا، في الفنون، تتسع الكلمة بمعانيها الكثيرة: الجماليات، الموضوعية، الترفع، والتنزه عن المشاعر الصغيرة. كل ما هو عكس ذلك، قبح موصوف!

لذلك مر في الأدب العربي الحديث نقاد كبار واختفى نقاد الصغائر. قامات ثقافية علمية رائعة، صنعت النقد الأدبي الحديث: إحسان عباس، شوقي ضيف، محمد يوسف نجم، جابر عصفور، توفيق صايغ، وجبرا إبراهيم جبرا. وكان هناك كبار مقلون مثل محيي الدين صبحي.

لا يمكن أن تكون ناقدا إذا كنت صغيرا. لأنك إذا كنت صغيرا فأنت حتما حاقد. والحاقد لا يمكن أن يرى، أو حتى أن يقبل، الجماليات والطيبة والفرح والألفة والمؤانسة. لقد خلق ليصيح. في كل الاتجاهات.

كم هو ممتع وكبير، الحوار مع جبرا إبراهيم جبرا، الرجل الذي ترجم شكسبير وويليام فوكنر. يا لها من طريقة خلقية في التحدث عن الرفاق: بدر شاكر السياب، يوسف الخال، توفيق صايغ، ثم ها هو يصل إلى محمود درويش.

جاء يوسف الخال وجبرا إبراهيم جبرا من الشعر العمودي إلى الشعر الحر. أرادا، ومعهما بدر شاكر السياب وخليل حاوي، أن يكتبا شيئا «مختلفا». وفي شعوري أنهما أخفقا حيث أبدع حاوي والسياب. لكن كان للاثنين فضل كبير على الحداثة والثقافة في العالم العربي. وكانوا جميعا على خلق متسق واحد تقريبا. حاولوا الهرب من التراث لكن بعد «تقديس» الجميل فيه. «ديوان الشعر العربي» أصدره أدونيس ويوسف الخال عن حركة «شعر» التي فهم الجميع أنها قامت من أجل تدمير كل تراث. لقد فاتنا أن نلحظ، في فورة استنكارنا للحداثيين، أنهم لم يستنكروا سوى الساقط والاجتراري من الماضي: «لقد أوقعنا عصر الانحطاط، الذي طال على الأمة العربية مئات السنين، في هذر لا ينتهي. كان يتصور آباؤنا أن فيه فكرا أو شعرا أو بلاغة أو حكمة، أو لست أدري ماذا (...) القصائد العصماء إياها، معظمها تكرار، وترجيع أصداء القدامى (...) وليتعلم الشعراء درسهم الأهم من المتنبي، أبرع الشعراء اقتصادا في اللفظ وشدا لمعناه».

كأنني اكتشفت غابة زنبق وكروم ياسمين في «حوار مع جبرا إبراهيم جبرا» الصادر عن «دار المعارف»، سوسة، تونس. وكم أحزنني ما سقط على هذه الغابة من ذباب الأخطاء المطبعية واللغوية، وما في ذلك من إهانة لمثل هذا المستوى من الحوار.