هل نستطيع أن نتحاور؟

TT

في السابع من يوليو (تموز) أقالت قناة «سي إن إن» الإخبارية كبيرة محرري الشرق الأوسط، أوكتافيا نصر، بعد أن نشرت على «تويتر» رسالة كتبت فيها «حزينة لسماع نبأ موت السيد محمد حسن فضل الله»، أحد أبرز المرجعيات الشيعية اللبنانية الذي شارك في تأسيس ميليشيا حزب الله، ووصفته أوكتافيا بقولها «أحد العمالقة الذين أحترمهم بشدة».

أنا أرى أن في إقالة أوكتافيا نصر مصدر قلق بالغ. صحيح أنها أخطأت، إذ ينبغي على الصحافيين تنحية مشاعرهم وعدم تقديم التعازي لأي من أطراف الخبر عند التغطية الصحافية، فهم بذلك يقوضون من مصداقيتهم، لكننا في الوقت ذاته ربحنا شيئا مهما عندما حصلنا على صحافية لبنانية مسيحية تتحدث العربية تغطي أخبار الشرق الأوسط لقناة «سي إن إن». ولو أن إثمها الوحيد خلال 20 عاما من العمل هو الرسالة التي جاءت في 140 حرفا حول شخصية معقدة مثل فضل الله، فأعتقد أنها كانت تستحق بعض الليونة، فكان المفترض أن توقف عن العمل لمدة شهر لكن ألا تتم إقالتها، التي كانت خطوة خاطئة من عدة أوجه.

بداية، ما الذي أوقعه هذا الخبر في نفوسنا؟ أن كلمة واحدة تكتب بصورة خاطئة الآن، تجعلك فريسة لغوغاء الإنترنت خلال ساعات، ليسارع رؤساؤك للتغطية. من المفترض أن يفقد الصحافي (أو الصحافية) عمله بعد تقديم معلومات غير صحيحة أو نقل تصريحات غير دقيقة عن المصادر أو تزييف الحقائق، بهدف اختلاق الوقائع أو التحيز غير المنهجي - لكن ليس من أجل رسالة كهذه.

وما هي الإشارة التي نبعث بها للشباب من هذه الإقالة؟ ضرورة مجاراة التوجهات السياسية، وأن تكون صائبا سياسيا، ولا تقل أي شيء يعرضك لسهام النقد من قبل دائرتك الانتخابية أو غيرها. وإذا ما كنت تطمح إلى وظيفة في الحكومة أو الصحافة القومية، أو كرئيس لجامعة هارفارد، فلتلعب اللعبة بأمان، وبانتهاز أي فرص عقلية يمكن أن تؤذي شخصا آخر. وعندما يكون كل ما تقوله في عصر «غوغل» قابلا للبحث إلى ما لا نهاية يبقى المستقبل لمن لا يتركون أثرا خلفهم.

ثم هناك زاوية الشرق الأوسط. فلو أن هناك درسا واحد يمكن أن نكون قد تعلمناه من تدخلاتنا في لبنان والعراق وأفغانستان، فهو أن قليلا من الأميركيين يفهمون طبيعة تلك الأماكن.

لقد سافرت إلى بغداد في أعقاب الغزو الأميركي، والتقيت الموظفين الصغار الذين عينهم بوش، الذين، مثل راجيف تشاندراسيكران في كتابه «حياة إمبراطورية في مدينة الزمرد»، كانوا يختارون في الغالب لأنهم موالون 100 في المائة لبوش، حتى وإن كانوا يجهلون العراق 100 في المائة، وقد أدى هذا الفشل إلى دعم فشلنا هناك. فكتب تشاندراسيكران «قال شخصان تقدما للحصول على وظائف في سلطة الاحتلال الأميركية في العراق إنهما طلب رأيهما في روي واد».

لم ألتق أوكتافيا أو فضل الله على الإطلاق، لكن من الواضح أن فضل الله يكره إسرائيل ويدعم الهجمات ضد الإسرائيليين، وعارض وجود القوات الأميركية في لبنان والعراق، لكنه اعترض أيضا على وجهات النظر المعطلة والتبعية لإيران. وقد طالب الشيعة اللبنانيين بالاعتدال والحداثة وحصل على تأييد شعبي نتيجة آرائه الاجتماعية.

وقال أغسطس ريتشارد نورتون، خبير شؤون الشيعة بجامعة بوسطن، مقولة أوكتافيا نفسها عن فضل الله الذي يعرفه، فقال «طالب بأن تحظى النساء بفرص متساوية مثل الرجال، وأن ينلن تعليما جيدا، حتى إنه قال إن النساء يحق لهن ضرب أزواجهن لأنه لا يليق أن يضرب الرجال زوجاتهن. لم يكن الرجل يخشى من الحديث بشأن الجنس حتى إنه ألقى خطبة كاملة عن المحفزات الجنسية، لذا كان من الشائع أن تجد متابعين من الشباب لكتاباته في كل أنحاء المنطقة». وقد قامت أوكتافيا بالفعل بتفسير ما كتبته على «تويتر» بشأن فضل الله فقالت «إن ذلك كان لأن الرجل اتخذ موقفا مغايرا وتنويريا بين علماء الشيعة بشأن حقوق النساء».

أما مايكل توماسكي، رئيس تحرير مجلة «الديمقراطية: مجلة الأفكار»، فأشار إلى مقال كتبته الصحافية اللبنانية الشيعية الليبرالية العلمانية حنين غدار - على موقع «لبنان الآن» - تستدعي فيه إلى ذاكرتها كيف تدخل فضل الله لدى والدها المحافظ للسماح له بالعيش بمفردها في بيروت، مخبرا والدها في رسالة بأنه «لا يملك الحق في إملاء تصرفاته لأنها امرأة بالغة وعاقلة ومستقلة».

وقالت غدار إنها أدركت أن أفرادا مثل فضل الله هم القادرون على تغيير الوضع القائم، وإن الأفراد الذين يضعون أنفسهم في موقف المعادي لحزب الله، ومنتقدي المقاومة أو الملحدين، لن يسمعهم أحد داخل المجتمع الشيعي لأن الناس لن تنصت لهم.

على الناحية الأخرى كان فضل الله يتواصل مع هؤلاء لأنه كان واحدا منهم، والناس تحبه، ولو أنه حصل على الدعم لأحدث التغيير الحقيقي. إنه واحد من القلة الذين يخشاهم قادة حزب الله وإيران لأن الأفراد كانت تحبه وتحترمه.

لم يكن فضل الله بطبيعة الحال نشطا اجتماعيا، فقد كان هناك جانب مظلم في حياته، ويقول لي العاملون في «سي إن إن»، إن أوكتافيا كانت تعلم كليهما. لكن ما أعلمه هو أن الشرق الأوسط يجب أن يتغير على يد وكلاء التغيير الشرعيين والمنحدرين من ثقافاتهم، ربما لا يكون هؤلاء مفضلون لأميركا، لكننا بحاجة لأن نفهم بشأنهم وأن ندرك أين تتلاقى مصالحنا، وألا نعمد إلى تشويه صورتهم على الإطلاق.

لهذا أفضل أن أحصل على أخباري اليومية من مراسلة «سي إن إن» التي تستطيع بالفعل أن تقدم لي السبب الحقيقي وراء حزن الآلاف من الرجال والنساء على هذا الشيخ الشيعي المسن - الذي لا نعتبره أكثر من إرهابي - أكثر من مراسل لا يعلم أي شيء على الإطلاق، أو على الأسوأ، شخص لا يجرؤ على الكلام.

* خدمة «نيويورك تايمز»