قانون أوباما القادم

TT

تشهد السوق السياسية حاليا تراجعا في أسهم أوباما، حيث يشعر اليسار بخيبة الأمل حيال الرئيس، في الوقت الذي يتخلى عنه المستقلون بالعشرات، بينما يرقص اليمين بالفعل على قبره السياسي، ويسعدون كثيرا بالتفكير في ما يحمله نوفمبر (تشرين الثاني)، خاصة بعد اعتراف سكرتيره الصحافي بأن الديمقراطيين ربما يخسرون مقاعد بمجلس النواب.

لكن لدي تحذير موجه إلى الجمهوريين: «لا تقللوا من قدر باراك أوباما. وعليكم التفكير في ما حققه بالفعل. ففي الواقع، إن نجاحه في تمرير قانون الرعاية الصحية إنجاز كاف لتاريخ فترة رئاسته. لقد أحدث هذا القانون تغييرا دائما في سدس الاقتصاد، ووضع البلاد، بلا رجعة، على طريق الرعاية الصحية الوطنية». وحسبما أشار ماكس بوكوس، رئيس لجنة التمويل بمجلس الشيوخ، فإن أوباما شرع في واحدة من كبرى عمليات إعادة توزيع الثروة في التاريخ الأميركي.

ثانيا، هناك الإصلاح المالي الهائل الذي مرره الكونغرس، الخميس الماضي. ويتجادل الخبراء الاقتصاديون في ما بينهم، حول ما إذا كانت إجراءات الإصلاح المقررة بمقدورها منع التردي الاقتصادي، وضرورة توزيع إعانات مالية، حسبما وعد مقترحو الإصلاحات، فإن من المؤكد أن الإصلاحات الجديدة تمنح الحكومة سلطة غير مسبوقة في السوق المالية. وستخلق الصفحات الـ2.300 التي يتألف منها القانون 243 تنظيما جديدا على الأقل ستؤثر ليس في المصارف الكبرى فحسب، مثلما يظن الكثيرون، وإنما في جميع الأميركيين تقريبا، بما في ذلك «موظفو الحسابات وحكومات المدن والشركات التصنيعية الصغيرة ومشترو المنازل وشركات التصنيف الائتماني»، حسبما ذكر موجز ورد بصحيفة «وول ستريت جورنال».

ثالثا: حزمة المحفزات الاقتصادية التي اقتربت من تريليون دولار، والتي تعد أضخم عملية إنفاق في التاريخ الأميركي، وذلك حتى من دون حساب تأميم برامج القروض الطلابية وقواعد تنظيم الانبعاثات الكربونية من جانب «وكالة الحماية البيئية»، والمحاولات المتقطعة لتمرير قانون مقايضة الانبعاثات عبر الكونغرس.

لكن يبقى أكبر إنجازات أوباما في التحول الهيكلي الذي أقره بالميزانية الأميركية. وليس من العسير تحويل مسار إجراءات التحفيز المالي والتوسع الشديد في الإنفاق الداخلي وخلق عجوزات هائلة في الميزانية بسهولة.

الواضح أن هذه ليست مجرد إجراءات مؤقتة لمعاكسة الدورة الاقتصادية، وإنما عجوزات هيكلية. لأنه، مثلما يدرك الجميع، بدءا من أوباما إلى أبسط مواطن، فإن المال الحقيقي يكمن في الاستحقاقات، وتحديدا برنامجي «ميديكير» و«ميديكيد». إلا أن قانون الرعاية الصحية الذي طرحه أوباما يجمد هذه الاستحقاقات باعتبارها مصدرا لخفض الديون.

الملاحظ أن الـ500 مليار دولار التي يقتطعها إصلاح الرعاية الصحية الذي طرحه أوباما من «ميديكير»، والـ600 مليار دولار الأخرى في صورة زيادات ضريبية توجه إلى استحقاق جديد، لم تعد متوافرة لتقليص العجز بالميزانية.

أما نتيجة ذلك، فهو عدم توافر مال كاف يمكن اقتطاعه من جهات أخرى للحيلولة دون حدوث إفلاس وطني. وستتطلب مواجهة هذا الأمر إقرار زيادات ضريبية هائلة. والاحتمال الأكبر أن تأتي في صورة ضريبة قيمة مضافة على النسق الأوروبي. ومثلما أقدم الرئيس رونالد ريغان على تقليص الضرائب لخفض التدفقات المالية على الحكومة الفيدرالية ومنع حدوث نمو شديد في الإنفاق، فإن الإنفاقات بالغة الضخامة التي يقرها أوباما وإعفاء تكاليف الرعاية الصحية من تقديم العون الممكن ستفرض بالضرورة فرض زيادات ضريبية كبرى.

وسيتمثل مجمل تأثير 18 شهرا من «النهج الأوبامي» في القضاء على تأثير ما أقره ريغان من سياسات. الملاحظ أن كلتا فترتي الرئاسة تميزت بطابع آيديولوجي قوي وطموح زائد، وغالبا ما لم تلق تقديرا مناسبا من الأطراف الأخرى. (مثلا، من العناوين المشهورة التي أطلقتها «واشنطن بوست» ما يلي «شهر عسل ريغان واليمين الجديد انتهى» رغم أنه لم يكن قد مر على تولي ريغان الرئاسة سوى 6 أشهر!).

الواضح أن أوباما يتعرض للهجوم من قبل اليسار لعدم حماسه الكافي تجاه حقوق المثليين وإصلاح سياسات الهجرة وإغلاق سجن غوانتانامو، إلى جانب كثير من القضايا الأخرى. ومن الواضح أن النقاد لا يتفهمون مجمل الصورة، ولا يدركون أن الأجندة التحولية التي ينتهجها أوباما أشبه بمسرحية تتألف من فصلين.

وقد انتهى الآن الفصل الأول الذي ضم المحفزات الاقتصادية وقانون الرعاية الصحية والإصلاح المالي، وهي جهود استنزفت الفترة الأولى من رئاسة أوباما. ولن يتمكن أوباما بعد ذلك من خوض مثل تلك القضايا الكبرى. أما الديمقراطيون، فسيدفعون ثمن شطحاتهم الآيديولوجية بخسارة أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما. وسيقضي أوباما فترة رئاسته المتبقية في محاولة تعزيز المكاسب التي جناها (عن طريق كتابة التنظيمات، مثلا) والاستعداد لخوض الفصل الثاني.

أما الثورة الآيديولوجية القادمة التي ستدور حول فرض تنظيم هائل على اقتصاد الطاقة وإضفاء الطابع الفيدرالي على التعليم العالي وإقرار إصلاح هائل في مجال الهجرة، فستتطلب تفويضا ثانيا، بمعنى الفوز بإعادة الانتخاب عام 2012.

لذا، فهناك كثير من التوتر بين أوباما وأعضاء الكونغرس من الديمقراطيين. فبالنسبة لأوباما، لا تمثل 2010 أهمية كبيرة. وإذا خسر الديمقراطيون الأغلبية في أحد أو كلا المجلسين، فربما ييسر ذلك على أوباما الحال عام 2012، مثلما استغل بيل كلينتون نيوت غنغريتش والجمهوريين في الفوز بإعادة انتخابه عام 1996.

لقد سقط أوباما، لكنه لا يزال في مرحلة مبكرة من المسرحية. ومثل ريغان، أتى للرئاسة لتنفيذ أفكار معينة، وحقق الكثير منها بالفعل في الأيام الـ500 الأولى من رئاسته. والآن، أصبح ما يتعين عليه فعله في الـ500 يوم المتبقية ترقب انتخابات الرئاسة التالية.

إن الجائزة الحقيقية التي يتطلع نحوها أوباما هي إعادة الانتخاب عام 2012. والواضح أنه ينظر إلى أبعد بكثير حتى عن أقرانه في الحزب الديمقراطي، بينما يقلل الجمهوريون من حقيقة قيمته، مما يخلق خطورة عليهم.

* خدمة «واشنطن بوست»