«علقوا معاقبة طهران!»

TT

توقع الزعيم الكوبي فيدل كاسترو نشوب حرب وشيكة بين أميركا وإيران، بانيا تصوراته على تحرك قطع بحرية أميركية إلى مقربة من السواحل الإيرانية، لممارسة تخويل تفتيش السفن التي تنقل بضائع منها وإليها، تنفيذا للعقوبات الدولية. وتوقع في سلسلة «التأملات» الدورية التي يكتبها، عدم انتظار كوريا الشمالية لحظة واحدة للتحرك العسكري فور بدء الهجوم على إيران، الذي وصفه بـ«مثابة صاعق تفجير من شأنه أن يفتح فورا حربا كورية». وفي لقاء تلفزيوني، شدد كاسترو على أن تطبيق العقوبات على إيران سيؤدي إلى حرب نووية في الشرق الأوسط. ويفترض أن يحظى ما كتبه كاسترو عن العلاقة بين حربي كوريا وإيران - اللتين كاد يجزم بوقوعهما - باهتمام من قبل دارسي احتمالات الحرب وتطوراتها. على الرغم من تجنبه الإشارة إلى ما تتمتع به كوريا الجنوبية من ردع استراتيجي تحت المظلة الأميركية، لا يمكن لبيونغ يانغ تجاهله.

سياق الأحداث يثبت وجود حذر أميركي من الانزلاق إلى حرب مع إيران. غير أن عمليات تفتيش السفن - في حالة تطبيقها - قد تدفع بهذا الاتجاه، إذا ما نفذت إيران تهديداتها بتفتيش سفن أميركية، وليس سفنا تعود لدول إقليمية، أو استخدمت القوة «لأكثر من مرة» لمنع التفتيش الدولي.

ويُخشى أن تشجع تأملات كاسترو إيران على التصعيد في مواقفها، من منطلق تعزيز الشعور بوجود قلق أميركي من قرار كوري بشن حرب اجتياح على جارتها الجنوبية، يكبح فكرة اللجوء إلى استخدام القوة في الخليج كخيار أخير.

العقوبات التي فرضت على إيران بدأت تداعياتها تظهر على الوضع الداخلي. فاضطرابات البازار أعطت دليلا على اتساع حالات التذمر الشعبي من إجراءات النظام الاقتصادية. بيد أنها لن تكون سببا في حرب نووية، لأن إيران لا تمتلك قدرات نووية متكاملة. ولغياب دواعي الحرب في المرحلة الحالية. وحتى لو فشلت إجراءات منعها وتمكنت من الحصول على عدد محدود من القنابل الذرية، فلن يغيب عن تصوراتها حجم الدمار المروع الذي سيلحق بها، إذا ما تطورت الأوضاع إلى حرب نووية.

لا يمكن ضمان تأثير العقوبات بشكل حاسم إذا لم يتم ضبط مطارات وموانئ دول الجوار ومسالكها البرية. وهذا يتطلب تصميما على منع الدول المعنية من التهاون في تطبيق القرارات الدولية. وإلا فقدت المراقبة في أعالي البحار جدواها في تحقيق الغرض.

صحيح أن أميركا تتفادى خوض حربين شاملتين على جبهتين في آن واحد، لكن وقوعها تحت ضغط فعال يؤثر على مصالحها العليا يجعلها أكثر استعدادا للمجابهة. وبما أن حربا بين أميركا وإيران لن تكون تقليدية من حيث الوسائل التكنولوجية والأداء العملياتي، حيث سيغيب فيها دور القوات البرية، عدا حالات محدودة في صراع على جزر أو مواقع بحرية محددة. فسيقتصر الجهد الحربي الأميركي على النشاطات الجوية والصاروخية والبحرية. وهو ما يتيح استمرار التزام القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية وفقا للخطط الأساسية لمجابهة صراع محتمل. ويفترض حساب أسوأ الاحتمالات من الناحية اللوجيستية المرتبطة بتأمين المواد القتالية في مناطق الصراع.

الغرور الكوري الشمالي واضح. فالقيادة هناك مزهوة بقدراتها العسكرية وبامتلاكها قدرة نووية. غير أنها تدرك محدودية قدراتها النووية، وضعف تكنولوجيا معداتها التقليدية مقابل القدرات الأميركية الهائلة. ومن غير الوارد توقع قبول أميركا بالهزيمة في جنوب شرقي آسيا، لأنها ستكون نهاية دورها الفعال في العالم. وهو ما لا يتحقق بمعطيات صراع محلي قصير الأمد.

ولا بد أن تكون تأملات كاسترو هذه مثيرة لبيونغ يانغ أيضا، لأنها كشفت عن خيوط نوايا ربما كانت تفكر فيها، وأتاحت فرصة للتحسب الأميركي لاتخاذ تدابير مسبقة لمجابهة الحالات غير المتوقعة، إن كانوا غافلين عنها.

ما يراه كاسترو ينبغي أن يعزز إرادة فرض العقوبات على نظام المرشد، لمحاولة وضعه على طريق التخلي عن برامج تصنيع سلاح نووي، وليس لدفع الآخرين إلى رفع شعار «علّقوا معاقبة طهران!»