السعودية.. خرق جدار النمطية بالاتجاه نحو العالمية

TT

كشفت مشاركة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة مجموعة العشرين عن الدور المتنامي والمتعاظم للمملكة العربية السعودية على الصعيد الدولي، بوصفها إحدى أهم الاقتصادات على وجه المعمورة، بشكل واضح وصريح، لا يقبل النقاش والجدل والسفسطة.. وأن الملك عبد الله يعد من القادة الكبار الذين يسهمون في صناعة القرار السياسي والاقتصادي العالمي.

فإذا كان ثمة مجال للحديث المشكك بشأن دور المملكة عند الحديث عن دورها الإقليمي والسياسي أو أهميتها ودورها في السلام بالشرق الأوسط، وإيجاد حل منصف للقضية الفلسطينية، أو بالحفاظ على أمن الخليج وإطفاء نار الطائفية في لبنان ومساهماتها الدولية في استقرار الاقتصاد العالمي، وثبات أسعار النفط، ونجاح سياستها المالية الحكيمة التي حافظت على استمرار أدائها الثابت لأصولها المالية في الخارج على الرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية التي امتدت لمساحات واسعة من الخسائر، فضلا عن معالجة الكوارث والتغير المناخي، وأهميتها الكبيرة في محاربة الإرهاب، وتجفيف منابعه، وإصدار الفتاوى في بطلان حجته.. إذا كانت هذه الأمور قابلة للنقاش، فلأنها مستمرة عبر عقود من قبل كبار منتجي الوعي الزائف، وحائكي الشعارات الثورية الرنانة، ومطلقي الخرافات السياسية، والرؤى الطوباوية، ولو أن رموزهم الكبيرة والعتيدة ذهبت غير مأسوف عليها، إلا أن من «خلفوهم» ما زالوا ينفخون في رمادهم، لإيقاد مقولات وشعارات، أثبت التاريخ فشلها الذريع. وإذا ألقينا نظرة بسيطة على مجمل هذه الأحزاب السياسية أو الدول التي مثلتها أو رموزها الثورية، نجد أنها لم تترك لشعوبها سوى الخراب والدمار. وخير دليل على ذلك ما جناه العراقيون من سياسات صدام حسين «الثورية»، وما حل في فلسطين، إذ كلما يشتد أوار نضال هذه القوى نخسر مساحات جديدة من الأرض لحساب إسرائيل!

نقول إن مشاركة خادم الحرمين كرقم صعب في قمة مجموعة العشرين لمناقشة الاقتصاد العالمي وأزماته، لهي مفخرة للعرب وللمسلمين كافة، وإنه يسطر كتابة تاريخ جديد، أثبت بالملموس صحة النهج والاستراتيجية التي يرسمها، وينسجم مع ما درجت عليه المملكة من سياسة معتدلة وحكيمة وهادئة ورؤية متفردة نحو المستقبل وقراءة ذكية للمتغير الدولي وتفهم اشتراطاته بما لا ينتهك الخصوصية والسيادة.

فإذا كانت معاقل الأحزاب الثورية تعاني من الأزمات الاقتصادية والتقهقر في مجال الصحة والتعليم، ومن العزلة العالمية، فإن المملكة دائما ما تحاط بكلمات الثناء، وهو ما حظي به الملك عبد الله من استقبال حافل واستثنائي محفوف بكلمات الإشادة والإطراء من قبل زعيم أكبر دولة في العالم، واصفا إياه بالصديق والحليف الاستراتيجي والشريك.. ناهيك عن بعض الكتب التي صدرت في الولايات المتحدة والتي تعده من زعماء العالم القلائل، وما وصفته صحيفة «الهيل» التي توزع على أعضاء الكونغرس الأميركي، إذ تحدثت بإسهاب عن أهميته في رسم السياسة العالمية.

وعلى الصعيد المحلي، كيف حول خادم الحرمين السوق المالية والاقتصادية السعودية إلى منطقة جذب عالمية للاستثمار تتدفق عليها كبريات الشركات العالمية، حتى تعاظم وتنامى دور الشركات السعودية المحلية عبر الشراكة مع هذه الشركات والاستفادة من الخبرة التكنولوجية والإدارة وسياسة الجدوى الاقتصادية.. فضلا عن برنامج المملكة الاستثماري الطموح للأعوام الخمسة المقبلة في القطاع الحكومي والنفط، إذ خصص مبلغ 400 مليار دولار أميركي ينفق خلال خمسة أعوام، وهذا المبلغ يعد أكبر برنامج تحفيزي في دول مجموعة العشرين.. وكثيرون يعرفون أن الحصول على التكنولوجيا الغربية ليس بالأمر الهين واليسير، ولكن بحنكة النهج السياسي والثقل الاقتصادي الكبير، نرى أن هناك تعاونا في مجال العلوم والتكنولوجيا، إذ وقعت اتفاقيات تعاون في مجال التقنية والعلوم وأول ورشة عمل رسمية تركز على الفضاء وتقنيات علم الطيران حتى يصل الأمر إلى تعاون وكالة ناسا.

ولا يسعنا هنا إلا أن نتوقف عند اهتمام خادم الحرمين الشريفين بالتعليم. ونشير هنا إلى كلمة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الذي قال في حفل افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في جدة: «إنها الجامعة الحلم.. إنها تجمع كل فروع التقنية والعلوم وتخصص مشاريعها الأكاديمية كافة في خدمة البحث العلمي بما يجعلها إحدى أهم الجامعات في العالم، والجامعة الوحيدة في الشرق الأوسط». فإذا كان خادم الحرمين يرسي دعائم البنى التحتية للتربية والتعليم والارتقاء بالمجتمع نحو التمكن من امتلاك أرقى وسائل التكنولوجيا والمعرفة، ومواكبة الثورة المعلوماتية، ووسائل الاتصال، نجده إلى جانب ذلك، يرسل عشرات الألوف في بعثات، منها على سبيل المثال أكثر من عشرين ألف مبتعث إلى الولايات المتحدة، مع رعاية واهتمام من قبله شخصيا، ومطالبتهم بالتفوق الدراسي.

إذا كان لكل بلد تجربته في البناء وإرساء دعائم الدولة الحديثة وفق الاشتراطات الحضارية والتاريخية والاجتماعية، فهنا نجد أن الملك عبد الله، يقدم أنموذجه الجديد المتساوق مع ما يجري من سباق حضاري، عبر ضخ دماء جديدة مسلحة بالعلم والثقافة، مدعومة ببنية اقتصادية هائلة، ورؤية مستقبلية تحرص على مستقبل الأجيال القادمة، إذ أمر بمنع التنقيب عن النفط، داعيا للإبقاء على الموارد الطبيعية للأجيال المقبلة.

ويوما بعد يوم يتعاظم ويتنامى دور المملكة، وتنتزع إعجاب الآخرين بها واحترامهم لها كقوة إقليمية لا بد من الاستجابة لقناعاتها ورؤاها.. حتى اخترق الملك عبد الله بحكمته جدار الرؤية الأحادية الذي رسمه الآخرون للمملكة، والآن تجاوز دورها مساحة الصراع الإقليمي، سواء على مستوى الخليج أو الشرق الأوسط، إلى أن أصبحت تسهم وتؤثر في رسم السياسة الدولية.

* كاتبة وأكاديمية كردية