إلى أين يقتادون لبنان؟!

TT

ما هو المطلوب من لبنان؟ ومن هم المطالبون الظاهرون والحقيقيون؟ وماذا يستطيع لبنان تقديمه لمن يطالبونه بأكثر مما يستطيع أو ما يريده أبناؤه؟

الزيارة الرسمية الثالثة للرئيس اللبناني سعد الحريري لدمشق، مع وفد وزاري كبير يضم وزراء لحزبي الكتائب والقوات اللبنانية، سبقتها ورافقتها ضجة سياسية وإعلامية أطلقها الأمين العام لحزب الله وانتقلت إلى بعض وجوه 8 أيار، مستهدفة الدولة اللبنانية وأجهزة مواصلاتها وأمنها، إثر اكتشاف شبكة تجسس إسرائيلية. ولم تتوقف عند هذا بل طالت المحكمة الدولية، متهمة إياها بالتسييس والتحول إلى أداة في يد الدول الضاغطة على حزب الله وجبهة الممانعة والمقاومة. وكانت ذروتها نصيحة من أحد أبواق المعارضة (سابقا) للرئيس الحريري «بأن ينسى المحكمة الدولية».

إن من يقرأ تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، خلال الزيارة الأخيرة لدمشق، يشعر بأن مياه التعاون والمودة عادت، نوعا ما، إلى مجاريها بين لبنان وسورية، بل بين الرئيس السوري ورئيس الحكومة اللبناني. ولا يسعه سوى التساؤل عما وراء هذه «الهبة» المفاجئة بوجه الحكومة اللبنانية من قبل حزب الله وحلفائه بالنسبة لعدة مواضيع، كالاتفاقية الأمنية بين لبنان وفرنسا وشبكة الجواسيس التي اكتشفت (وكان من المفروض تهنئة الأجهزة التي اكتشفتها)، مرورا بتحرش بعض أبناء الجنوب بقوات حفظ السلام الدولية، وصولا إلى المحكمة الدولية التي لم يصدر عن قاضي التحقيق فيها أي قرار، حتى الآن. فمثيرو الغبار والدخان بوجه الدولة والرئيس الحريري، والاتهامات الموجهة إلى الحكومة السابقة وأجهزة الأمن، «محسوبون» على سورية وإيران. وهم يعرفون أكثر من غيرهم أن اتهاماتهم ومطالبهم «غير حقيقية» أو«غير منطقية». ولكنهم لم يتورعوا عن إطلاقها.

ينسب البعض هذه الحملة إلى ردة فعل على العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على إيران مؤخرا. ويقول آخرون إن الهدف الحقيقي منها هو قطع الطريق على قرار المحكمة الدولية في حال تضمن قرار الظن - قبل انعقاد المحكمة وإصدار حكمها - أي اتهام لبعض أفراد حزب الله أو لأجهزة أمنية معينة. وخطاب نصر الله الأخير لم يخلُ من التلميح والتحذير، كي لا نقول التهديد، بهذا الصدد. ولكن ماذا بإمكان الحكومة اللبنانية ورئيسها بالذات أن يفعل «لطمأنة» المحذرين والمهددين؟

إن المحكمة محكمة دولية أي إنها غير خاضعة لسلطة الحكومة اللبنانية، والتحقيق والمحاكمة ماضيان في مسيرتيهما. ولا يستطيع حتى مجلس الأمن إيقافهما. ولا أحد يعرف سوى قاضي التحقيق إلى أين توصلت التحقيقات. وعلى الرغم من كل ذلك هناك من يطلب أن «تنسى المحكمة» ومن يحذر من تسييسها، ومن يهدد «بخراب البصرة» إذا لم يعجبه القرار الظني. مع العلم بأن الاشتباه لا يعني الإدانة، وضلوع بعض الأفراد لا يعني ضلوع أحزاب ودول، ولا صدور حكم من المحكمة.

اللبنانيون يريدون طي الماضي وصفحاته، سواء تلك التي عاشوها حربا أهلية في السبعينات والثمانينات أم تلك التي عانوا منها بعد ذلك، ولا سيما تلك التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري والشخصيات السياسية والإعلامية والعسكرية. يريدون أن يطووا تلك الصفحات الدامية والسلبية، وأن يفتحوا صفحات بيضاء إيجابية. يريدون أن لا يتكرر العدوان الإسرائيلي على مرافقهم وقراهم ومدنهم، وأن لا يتكرر ما حصل في 7 أيار، وأن يجلس خصوم الأمس في حكومة اتحاد وطني، وأن يعملوا معا على بناء الدولة وتحقيق ما يمكن تحقيقه من إصلاحات ومنجزات. ولكن، لسوء الحظ، ليس هذا ما يريده البعض ممن يستوحون مواقفهم من حسابات أخرى. ممن يهدفون إلى غايات تتجاوز مصلحة هذا البلد الصغير وأماني أبنائه في السلام والأمن والاستقرار والعيش الهنيء.

إن الرئيس الحريري ومسؤولين كبارا آخرين، يتلقون، منذ أشهر، سهاما صغيرة وكبيرة، من قبل أطراف ليست راضية عن أداء الحكم رغم مشاركتها فيه. بل إن بعضها يثير قضايا ويخترع مواضيع محرجة ومفرقة للصفوف. ولقد نجحت الدولة والحكومة في تدارك المطبات الوطنية التي كادت هذه القضايا تدفعها إليها. ونكتفي بذكر مشروع إلغاء الطائفية وحقوق اللاجئين الفلسطينيين والاتفاقية الأمنية والمساعدات الأميركية والبحث عن النفط.. والخ.

ترى إلى أين يقود هذا الأسلوب في المعارضة - المشاركة في الحكم؟ البعض يقول: يقود إلى منع قيام الدولة القادرة والباسطة لسلطتها على كل أراضيها. والبعض الآخر يذهب إلى أبعد من ذلك ويتحدث عن جعل الحكم الديمقراطي مستحيلا في لبنان. وآخرون إلى تحويل لبنان إلى «بلد مركزي لمقاومة إسرائيل». وغيرهم، إلى وضع اليد على الحكم بعد تعطيل صيغته الراهنة.

ولكن، هل يدرك أصحاب هذه المشاريع أن أكثرية اللبنانيين لا تسير وراءهم، ولا تشاركهم أحلامهم وأوهامهم، وأن لبنان لا يتحمل ما يضمرون أو يعدون له من مصير؟!