هل هذا هو الحب؟!

TT

لا أدري هل في واقعة الحب هذه التي سوف أرويها لكم، هل فيها ما يحزن أم ما يبعث على الأمل، وأن الدنيا ما زالت بخير، وأن بعض القلوب مهما انجرحت فهي تتسامى على جراحها ويزداد عطاؤها وتضحياتها.

في سنة 1950، كانت (أديث تايلر) على ثقة بأنها أسعد امرأة في بلدتها، حيث انه مضى على زواجها من (كارل) 23 سنة، كلها مفعمة بالمحبة والسعادة، ولكنها لم تستطع أن تنجب له مولودا.

ونظرا لحاجة الشركة التي يعمل فيها (كارل)، قررت أن تنتدبه للعمل في فرع الشركة بالمكسيك لمدة ثلاثة أشهر، ثم مُددت إلى سنة كاملة، كان في البداية يبعث إلى زوجته برسالة كل عدة أيام مع بعض الهدايا، ثم أصبح يرسل لها رسالة كل عدة أسابيع مع انقطاع الهدايا، فخمنت زوجته أنه يريد أن يوفر لكي يشتري البيت الذي يحلمان به منذ زمن، ثم انقطعت رسائله نهائيا لعدة أشهر، وبعدها تلقت منه آخر رسالة يقول فيها: عزيزتي أديث، وددت لو كانت هناك طريقة أكثر رقة لإبلاغك هذا النبأ: إننا لم نعد زوجين.

واتضح أنه تزوج من (ايكو) اليابانية ذات الثمانية عشر عاما والتي تخدم في بيته، بينما كان عمره قد تجاوز الخمسين عاما.

صُدمت المسكينة طبعا، ولكن طيبتها العجيبة وجدت له بعض العذر في ذلك لأنه كان هناك وحيدا، مع أنه استغل الخادمة وتزوجها على الرغم من فارق السن الكبير بينهما، غير أنها في أعماقها كانت موقنة بأنه سوف يعود لها يوما ما.

وكتبت له تقول: مهما حصل فلا تقطع الوصال بيننا. وبعد فترة كتب لها يقول: إنه و(ايكو) ينتظران طفلا، وولدت (ماريا) في 1951، وتبعتها (هيلين) في 1953، بعدها أصيب هو بداء عضال، وبدأت رسائله لأديث تمتلئ بالخوف لا على نفسه ولكن على بنتيه، وأدركت أديث أن هديتها الأخيرة لكارل يمكن أن تكون راحة البال، فكتبت تقول له إنها مستعدة لأخذ البنتين وتعليمهما إذا وافقت أمهما (ايكو)، وما هي إلا أشهر حتى توفي كارل، دون أن يورث شيئا من المال.

وبعثت ايكو بالطفلتين للعمة العزيزة أديث، كانت أديث تدرك أنه من العسير عليها وقد بلغت الخامسة والخمسين أن تصبح أما لطفلتين في الثالثة والخامسة من العمر.

وابتدأت الرسائل تتوالى بين الأم والعمة، حول الطفلتين، وكيف أن الأم كانت تبكي ليل نهار على فراق طفلتيها، وكيف أنها لا تستطيع الهجرة والسفر إلى أميركا، نتيجة للتعليمات الصادرة بعد الحرب ضد اليابانيين.

وبذلت العمة أديث المستحيل والالتماسات للجهات المسؤولة للسماح لايكو اليابانية بالدخول إلى أميركا، وعندما تعقدت الأمور في وجهها، ما كان منها إلاّ أن تنشر رسالة مؤثرة مفتوحة للرأي العام وأرفقت معها صورة الأم والطفلتين، فأحدث ذلك المقال تعاطفا كبيرا من الجمهور، أرغم السلطات على الموافقة على دخول الأم البلاد بطريقة شرعية.

وذهبت العمة للمطار لتستقبل ايكو، وتأخذها معها إلى منزلها وتضمها إلى ابنتيها.

وتقول العمة في مقابلة صحافية معها: لقد ابتهلت إلى الله أن يعيد لي (كارل)، وها هو قد عاد في صورة هاتين الطفلتين وهذه الفتاة الصغيرة التي اسمها (ايكو) والتي أحبها من كل قلبي.

لقد أخذ الله حياة واحدة كنت أحبها حبا جما، ولكنه وهبني ثلاث حيوات أخرى تسعدني البقية الباقية من حياتي، فشكرا لله كثيرا.

[email protected]