أميركا ترمّم «جسر الثقة» مع باكستان

TT

المؤتمر في أفغانستان والتركيز على باكستان، الصين تعهدت بتقديم تنازلات تجارية إلى باكستان لدعم اقتصادها في حين أن الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية غير مستعدين لذلك بسبب الركود الاقتصادي العالمي.

الصين دعمت رغبة باكستان في مد خط أنابيب غاز يأتي من إيران ليصل إلى الهند، كما تعهدت ببناء محطتين نوويتين جديدتين (شاشما - 3، وشاشما - 4) في البنجاب، وهذا الأمر تعارضه الدول الغربية. واشنطن فضلت عدم الاعتراض العلني في باكستان وتحاول ثني الصين عن ذلك لأن هذا يخرق توقيعها على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة الذرية في العالم، ولأن الرئيس الأميركي باراك أوباما يقترح جعل العالم كله خاليا من الأسلحة النووية. الصين ردت بأن الاتفاقية بينها وبين باكستان موقعة عام 2004 أي قبل توقيعها على الاتفاقية، وذكّرت واشنطن بأنها باعت نيودلهي مواد نووية العام الماضي. واشنطن المتخوفة من أخطار المواد النووية في باكستان، حيث طالبان ومجموعات متطرفة أخرى يشنون هجمات داخل باكستان وضد أفغانستان، أرسلت وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون إلى إسلام آباد، قبل وصولها إلى كابل للمشاركة في مؤتمر الدول المانحة، استعدادا لسحب قوات هذه الدول من أفغانستان. قالت كلينتون بعد لقائها وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، إن العلاقات الأميركية - الباكستانية تسير ببطء من أحسن إلى أحسن، ورد قرشي بالثناء على واشنطن وعلى تفهمها وضع باكستان الحرج.

التقارب الأميركي - الباكستاني الذي تفرضه الحرب في أفغانستان، يسبب توترا في العلاقات الأميركية - الهندية. هذا التوتر «يسعد» قرشي إذ اتهم وزير الخارجية الهندي إس إم كريشنا الذي زار باكستان قبل أيام، بأنه وراء عدم تحسن العلاقات الهندية.

يبقى التركيز الباكستاني على أفغانستان، الساحة الخلفية التي تتنافس عليها مع الهند الآن. هيلاري كلينتون أرادت خلال زيارتها إلى باكستان العمل على إعادة الثقة بين باكستان وأفغانستان، هي رأت أنه لا يمكن توفير الاستقرار في أفغانستان، وعلى المدى البعيد في باكستان، إذا لم يتحسن التعاون والتنسيق بين الدولتين.

ترى واشنطن، أنه إذا ما رأت الدولتان مستقبلا مشتركا يجمعهما، فإن ذلك أفضل، وإذا ما اتجهت الدولتان إلى السلام، فإن ذلك يخفف الخطر عن أميركا وبقية الدول. ذلك لأنه حتى الآن، لا يزال فريق من الاستخبارات الباكستانية يدعم فريقا من طالبان. هذا الفريق يعتقد بأن الطريقة الوحيدة لمواجهة النشاط الهندي، تكمن في أن تكون لهم مجموعاتهم المسلحة مثل سراج حقاني وإخوته ووالده، فهؤلاء سيكونون بمثابة استثمار لهم في المستقبل القريب عندما تنسحب القوات الغربية من أفغانستان. (تفكر الولايات المتحدة بوضع مجموعة حقاني على لائحة المنظمات الإرهابية).

من أجل طمأنة باكستان ولتخفيف مخاوفها، تم التوقيع يوم الأحد الماضي بين كابل وإسلام آباد، بحضور كلينتون، على اتفاقية لفتح الحدود بين الدولتين من أجل زيادة التجارة المتبادلة بما فيها البضائع العابرة من أفغانستان إلى الهند عبر باكستان. وتمنح هذه الاتفاقية باكستان منافذ تجارية على آسيا الوسطى عبر أفغانستان. هذا الاتفاق اعتبرته واشنطن دليلا على تحسن العلاقة، وهو يسمح لأفغانستان بإيصال بضائعها إلى شرق لاهور، على أن تنقل الشاحنات في طريق العودة البضائع الباكستانية إلى أفغانستان. وهذا لمصلحة باكستان التي لديها الكثير مما تصدره إلى أفغانستان، لكنه لا يسمح بمرور البضائع الهندية إلى أفغانستان. ذلك أن إسلام آباد تريد أولا من نيودلهي تسهيلات لمرور البضائع الباكستانية عبر الهند إلى النيبال وبوتان.

إذا كان الأمن لم يستتب في ظل حكومة الرئيس حميد كرزاي - هو يطالب الأميركيين بالجلوس وجها إلى وجه مع طالبان لإشراكهم في الحكم وإنهاء الحرب – فإن التجارة انتعشت. عقد كرزاي اتفاقيات تجارية مع إيران، والهند، وجمهوريات آسيا الوسطى. وكلها قدمت تنازلات للسماح للبضائع الأفغانية بالوصول إلى أسواقها، وكان كرزاي يهدف إلى تخفيف الاعتماد على باكستان الشريك التجاري الأول، ومرفأ تصدير واستيراد البضائع لأفغانستان. الأميركيون اعتبروا توقيع البلدين على الاتفاقية التجارية الجديدة بمثابة حجر الزاوية لمحاربة طالبان. وكانت الولايات المتحدة أعطت باكستان حتى نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 لتوقيع الاتفاقية، لكن إسلام آباد تباطأت متذرعة بأنها تستشير القطاع الخاص.

تعتقد باكستان وأفغانستان بأن هذه الاتفاقية، التي تتطلب توسيع الطرق التجارية الحالية وشق طرق جديدة، ستخفّض التهريب والتجارة غير المشروعة عبر الحدود. لكن، رفض باكستان إعطاء تسهيلات مرور البضائع الهندية منها إلى أفغانستان، يعني أن التهريب سيستمر بسبب إقبال الأفغان على البضائع الهندية. هناك أيضا مشكلات أخرى، إذ يشتكي التجار الباكستانيون من سياسة التمييز التي تعتمدها الحكومة الأفغانية، ويطالبون بأن يقوم التبادل التجاري على أسس متساوية، وأن توفر كابل التسهيلات نفسها التي توفرها إسلام آباد. يقول التجار الباكستانيون إن الحكومة الأفغانية تفرض ما نسبته 18% كضريبة استيراد على البضائع الباكستانية، بينما لا تفرض أي ضريبة على البضائع الهندية.

كما تشتكي إسلام آباد، من أن تجارة العبور الأفغانية هي المصدر الأساسي للتهريب إلى باكستان، حيث تتراوح قيمة البضائع المهربة ما بين 4 إلى 5 مليارات دولار مما يفقد الخزينة 5.2 مليار دولار.

النجاح التجاري هذا، لم يمنع هيلاري كلينتون والمرافقين لها من التأكيد على أن لواشنطن وإسلام آباد عدوا مشتركا، أي الإرهابيين الذين دمروا كثيرا في باكستان، ويشكلون خطرا على الولايات المتحدة وبقية أنحاء العالم.

خلال محادثاتها مع المسؤولين الباكستانيين ركزت كلينتون على القلق الذي يقض مضجعها دائما، من أن يشن الإرهابيون من باكستان عملية تستهدف الأميركيين. وشعرت بأن الباكستانيين يشاركونها القلق نفسه، وأبلغتهم بأنه، إذا ما وقعت مثل هذه العملية وتبين أن مصدرها باكستان، فسيكون لها وقع سيئ ومدمر على العلاقات بين الدولتين.

وأشارت كلينتون خلال المحادثات أيضا إلى «مجموعة حقاني». حتى الآن رفضت باكستان الهجوم على شمال وزيرستان لملاحقة هذه المجموعة التي يعتبرها بعض ضباط الاستخبارات الباكستانية استثمارا مستقبليا لهم في أفغانستان. لكن واشنطن ترى في هذه المجموعة الخطر الأكبر على القوات الأميركية والقوات الأطلسية. لذلك لمحت إلى إمكانية تكثيف غارات طائرات «الدرونز» الأميركية لملاحقة هذه المجموعة.

وبعد انتهاء زيارتها إلى إسلام آباد، شعرت كلينتون بأن بناء جسر الثقة بين واشنطن وإسلام آباد مستمر، واعترفت بأن الجيش الباكستاني يتكبد خسائر في ملاحقته للمجموعات المسلحة. وقال مرافقون لها، إن شبكة المجموعات المسلحة تشكل خطرا على باكستان وأفغانستان وأبعد منهما، وإن كلينتون تتوقع تعاونا أكبر مع الباكستانيين ضد كل هذه الشبكات، لأنه لم تعد هناك من خطوط تفصل بين هذه الشبكات التي تقوم بعمليات إرهابية ضخمة في باكستان بالذات. وأضافوا أن الولايات المتحدة ستستمر في الضغط على باكستان لشن عمليات عسكرية ضد هذه الشبكات.