عن دور الكرد في عراق لم يولد جديدا

TT

في لقاء جمعني به قبل تسلمه رئاسة حكومة إقليم كردستان، قال الدكتور برهم صالح، إنه «لا ينقطع عن بغداد والعواصم العربية، ويعمل من أجل علاقة متينة مع العالم العربي ودول الجوار، إنما انطلاقا من العراق». وكان صالح ينطلق من معرفته بتفاصيل العلاقات ومكامن تعثرها بين إقليم كردستان وحكومة بغداد، ومن إمكانية وجود فرص مواتية للتمكين من القيام بدور فاعل في تذليل العقبات وإيجاد الحلول لها. فهو طالما عرف في الأوساط الكردية والعراقية معا كرجل الإصلاح والاعتدال، والانفتاح على جميع القوى السياسية في البلاد، وتولي مسؤولية ملفات عراقية مهمة، كمبادرة «العهد الدولي» و«التخطيط» و«الاقتصاد»، إضافة إلى مهمة نائب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية عام 2004، والحكومة المنتخبة عام 2006، وضع في برنامجه الحكومي فكرة مفادها أن إعادة إعمار الإقليم واستقراره يرتبطان بمحيطه السياسي والاقتصادي والثقافي بدرجة أساسية، بينما يظل العالم العربي الجزء الأوسع من المحيط ذاته.

إنما السؤال هنا هو: هل يفتح العالم العربي أبوابه للرسائل الكردية، وما تحمله من كلمات وآمال، وما هي القواسم الأقوى بين مشتركات «وطنية» لا تستحوذ عليها العصبيات المذهبية والقومية والآيديولوجية؟ إنه سؤال لا يجيب عنه العراقيون وأطيافهم السياسية، أغلب الظن. ذلك أن المصائر السياسية في البلاد مرتبطة بقوة السياسات الإقليمية، والعربية خصوصا. فلم يعد خافيا على أحد أن خارطة العراق السياسية القادمة، بعد انسحاب القوات الأميركية من البلاد تنقسم في تقارباتها بين بعض الدول العربية المجاورة وإيران، بينما يُستبعد تأثير الدور السوري في الخارطة ذاتها، إلا في الفلك الإيراني، أو في استخدام ورقة البعثيين وبقاياهم.

وللسبب ذاته لم تبق الرؤية الكردية لمستقبل العلاقات مع العالم العربي أسيرة السياسة العراقية المتعرجة نحو أقلمة داخلية ذاتية مع الصراعات الإقليمية، وتفاصيلها الغارقة في «قديم يحتضر وجديد غير مولود». فهي تحاول اليوم تأسيس مساحة لذاتها تختلف عن تلك التي تعوق تشكلها معضلات البلاد المستعصية، وذلك من خلال سياسة «ليّنة»، تستند إلى مقولة اقتصادية اعتمدها برهم صالح في برنامجه الحكومي، وهي «كردستان بوابة العراق للاستثمار». ويريد رئيس حكومة الإقليم بهذه السياسة جعل أربيل نافذة استثمارية يقصدها المستثمرون العرب والأتراك والأوروبيون والأميركيون. وما يستلزم إنجاح مثل هذه السياسة في رأيه هو توسيع دائرة العلاقة مع العالم العربي، بما يوفره من الإمكانيات الاقتصادية والثقافية، ناهيك عن تأثيره السياسي الكبير على المشهد العراقي. وإن كان إقليم كردستان يعيش اليوم هاجسا، يندرج، في أغلب الظن، في سياق مرحلة جديدة لا ترتبط بالحراك السياسي الذي تشهده الساحة العراقية، استعدادا لتشكيل الحكومة القادمة فقط، بل بالحراك العربي والصراع على العراق، يمكن القول إن زيارة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني إلى كل من الأردن ومصر، وقبلهما المملكة العربية السعودية، تدخل في سياق توازنات سياسية إقليمية يقتضيها المشهد العراقي القادم. ذلك أن العالم العربي - وبعد عقود من الصمت على الاستبداد البعثي، ومن ثم إيواء بقايا الاستبداد ذاته بعد انهياره عام 2003 من قبل بعض الدول العربية - بدأ مدركا أهمية بلاد الرافدين دون البعث من جهة، وحقيقة تنوعها القومي والديني والمذهبي من جهة ثانية.

وفي هذا السياق، يصح القول إن دور الأكراد في أي تغيير تشهده الساحة العراقية بعد تشكيل الحكومة سيكون إلى جانب محور الاعتدال العربي. إنما يتطلب ذلك بالدرجة الأولى اعترافا عربيا بنزيف دم أباحته الآيديولوجيات القومية العربية (البعثية تحديدا) طوال حكم صدام. فإلى فترة قصيرة كان الخوف من البحث عن نوافذ إضافية لإقليم كردستان (نوافذ عربية تحديدا) يتجسد في التغافل العربي عن مأساة شقيق محتم بعزلته وجباله. ولم يخف قيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال طالباني، أن حزبه دفع ثمن البحث عن علاقات عربية، بينما كان العالم العربي غارقا في صمته تجاه ما جرى في عراق عهد البعث، وأدار ظهره للتغييرات التي فرضتها السياسة الأميركية عام 2003.

مختصر القول، ودون الولوج في أسباب هذا الإدراك المتأخر، يمكن القول إن انفتاح العرب على عراق بلا صدام وبلا بعث، يبدد مثل هذا الخوف، ويدفع به نحو اعتدال لا يجترحه سوى العقلاء.

* كاتب كردي عراقي