في تونس.. الشباب يزاحم المرأة في الأهمية السياسية

TT

لطالما مثلت المرأة محور الاهتمام الرئيسي في السياسة التونسية، وهو اهتمام بدأ مع النخبة السياسية الأولى التي حكمت تونس الحديثة الاستقلال آنذاك وتواصل منذ 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1987 مع الرئيس الحالي زين العابدين بن علي الذي ارتقى بملف المرأة من أفق المساواة إلى مدارات المشاركة الواسعة وشروطها.

بيد أن المرأة التونسية قد أصبح لها شريك يقاسمها الأهمية السياسية وهو الشباب الذي شكل في السنوات الأخيرة محورا أساسيا في الخطاب السياسي الرسمي، مما يفيد بأن المسألة الشبابية أضحت مصدر انشغال حقيقيا، حتم بدوره التعاطي معه على أسس تجعله يتبوأ مكانة الجوهر ومرتبة الأولوية.

وإلى جانب الخطاب السياسي الرسمي والأولوية المطلقة التي بات يوليها للشأن الشبابي ولفئة الشباب التي تقارب نسبتها 30% طبقا للتعداد السكاني 2008، فإن نظرة عابرة على وسائل الإعلام سواء منها المكتوبة أو السمعية البصرية، تنتهي بنا إلى استنتاج تزايد اهتمام وسائل الإعلام التونسية بقضايا الشباب وبالقرارات التي تؤخذ لفائدته من خلال محاولة «تشبيب» المضامين.

ولعل ما جعل الشباب في تونس خلال هذا العام يحظى أكثر من ذي قبل بمقام الفئة العمرية الأكثر عناية والموضوع الأكثر طرحا وتحليلا ونقاشا، هو تبني هيئة الأمم المتحدة مبادرة الرئيس بن علي المتمثلة في إعلان السنة الجارية سنة دولية للشباب، وهي مبادرة تفاعل معها العالم بإيجابية وانتباه واضحين.

وفي هذا السياق، نضع حدث تأسيس برلمان الشباب الذي سيعقد دورته الافتتاحية يوم 25 من الشهر الحالي، وذلك تزامنا مع الاحتفال بالعيد الـ53 للنظام الجمهوري في تونس. وقد أجريت الانتخابات الخاصة ببرلمان الشباب، المؤسسة الاستشارية التي تضم نفس التركيبة العددية لمجلس النواب، من دون أن ننسى الإجراء الرمزي الأخير المتمثل في اعتماد تعريفة خاصة لفائدة الشباب التونسي بالنسبة إلى الرحلات البحرية والجوية.

إذن شهدت المسألة الشبابية اهتماما تصاعديا، تؤكده القرارات والقوانين والمبادرات وإرادة التشبيب السياسي والاقتصادي المتنامية. وكمثال على ذلك، نذكر قرار التخفيض في السن القانونية لممارسة الحق الانتخابي خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة من أجل إتاحة مزيد من فرص المشاركة السياسية للشباب التونسي.

ومما لا شك فيه أن هذا الاهتمام الكبير بالشباب في تونس إنما يندرج ضمن رؤية تدافع عن قيم الحداثة، فضلا عن الوعي بضرورة معالجة بعض المظاهر المقلقة الخاصة بعدد من الشباب، التي بدأ يعرفها المجتمع الشبابي في تونس وفي البلدان العربية وغير ذلك من الفضاءات الثقافية ذات الملامح الدينية المشتركة. وحتمت هذه المظاهر المقلقة وضع استراتيجية تحصن الشباب ضد ما يمكن أن يجعله ينحرف نحو الغلو أو في اتجاه التسيب أو الاستقالة المجتمعية والعزوف عن فضاءات الشأن العام والقطع مع المشاركة السياسية وغيرها، باعتبار أن تغير المرجعيات في عالم اليوم وصعود الفكر المتطرف يستثمران على نحو سلبي صعوبات الشباب الاقتصادية والصراع القيمي الذي يشهده بين النسق التقليدي التعاقدي والآخر الحداثي الفرداني، مما قد يحول وجهته إلى حالات احتجاجية لا تخلو من انشقاق مع المجتمع بأسره.

إن مجرد شعور الشباب بأنهم في لب المتن السياسي يخلق تجاوبا مع الآليات المعتمدة، وهي نقطة نجحت فيها تونس إلى حد الآن، ولعلها مقبلة على نجاح أكبر في مقاربة الشأن الشبابي إذا ما فتحت شهية فهم الشباب بشكل أكثر نهما، إذ الفهم ثلاثة أرباع وصفة المعالجة، وهو ما تتحمل مسؤوليته - إلى جانب الدولة - النخب المثقفة ومكونات المجتمع المدني والأسرة والمعهد ومختلف الأطر الاجتماعية المؤسساتية والأخرى الحرة، المحددة لسلوك الشباب ولمواقفه ولتصوراته.