تركيا: لحن «السعادة»

TT

عدوى المواجهات والصراعات داخل الأحزاب الإسلامية الإقليمية، التي انتقلت إلى تركيا قبل 8 سنوات بعد معركة طاحنة بين الإخوة الأعداء قادت إلى انفصال قيادات شابة عن الأب الروحي والفكر المؤسس نجم الدين أربكان وإعلان ولادة حزب العدالة والتنمية، تعود إلى الواجهة مرة جديدة من خلال انفجار كبير في صفوف حزب السعادة الإسلامي سيتحول في الأيام المقبلة - إن لم يتدارك العقلاء الموقف - إلى شرخ سياسي يفتت أكثر فأكثر هذا الحزب الذي وعد بتسلم السلطة من هذه المجموعة «التي لا فرق بينها وبين 60 حزبا سياسيا تركيا آخر.. كلها تجري وراء نظام الفوائد المصرفية، وتحولت إلى جباة يتحركون باسم النظام الرأسمالي الغربي لا أكثر» كما وصفها أربكان نفسه.

«السعادة»، الذي ردد دائما أنه يستعد لتسلم دفة القيادة في البلاد والانتقام لزعيمه أربكان الذي أمضى أكثر من نصف قرن في العمل السياسي، هو اليوم أمام أزمة في العمق تهدف لإبعاد الأكاديمي نعمان كورتولموش الذي رشحه أربكان لتسلم هذه المهمة بالأمس، وها هو نجله فاتح يطالب بإعلان قانون الطوارئ والمحاكم العرفية للإطاحة بمن خان الأمانة وغادر بيت الطاعة اليوم.

الأزمة سببها اشتعال الحرب الداخلية بين ذهنيتين وتيارين وخيارين، يمثلهما الرئيس الفخري نجم الدين أربكان، والرئيس الحالي الأكاديمي نعمان كورتولموش الذي اختير بعناية ودقة قبل سنوات ليخلف أربكان في هذا المنصب ويتحمل مهمة قطع الطريق على صعود حزب العدالة أولا وإعادة جمع الإسلاميين الأتراك حول قاعدة النظام الملي التي تبناها وأطلقها وروج لها أربكان لعقود طويلة ودفع مقابل خياراته هذه ثمنا سياسيا باهظا ثانيا. الانفجار وقع خلال المؤتمر العام للحزب الذي عقد في العاصمة التركية.

أبناء أربكان يصرون على ما يبدو على استرداد الحزب من كورتولموش، مدعومين من قبل أصحاب اللحى البيضاء قدماء الحزب وصقوره، ونجل أربكان وولي عهده فاتح أعلنها بوضوح أن الحزب هو حزب والده بذهنية إما أن تخضع وتطيع وإما أن تتنحى وترحل، غامزا من قناة أن كورتولموش يهادن «العدالة والتنمية»، ويتبنى مواقف وخيارات تتناغم مع سياساته، خصوصا إعلانه الأخير أن الحزب سيقول نعم في الاستفتاء الدستوري المقبل. والأكاديمي كورتولموش يقول إن الحزب ليس شركة عائلية، وإن إنجازاته عززت للحزب نفوذه وأعادت له الكثير من الاعتبار الذي كان فقده، ووضعته في موقع البديل السياسي الأفضل والمنافس الأقوى للعدالة، وإنه حقق الكثير ولن يستسلم بهذه السهولة، لكن فاتح أربكان يصر على استرداد الحزب من كورتولموش.

أربكان، البالغ من العمر 83 عاما، ويعاني من المرض العضال، لم يعد قادرا على تسلم زمام القيادة، وهو يريد أن يصل إلى التقاعد بنقلة سياسية لا تقل قيمة عن تاريخ طويل من النضال بدأ قبل أكثر من نصف قرن مع حزب النظام الملي، واستمر مع أحزاب السلامة والرفاه والفضيلة والسعادة وربما يريد أن يكون مسك الختام مع نجله فاتح بإجلاسه على مقعد القيادة، لكن الأصوات المعارضة داخل الحزب تنتقد أسلوب وذهنية الوصاية التي كانت سببا أساسيا في انفصال رجب طيب أردوغان وعبد الله غل وبولنت ارنش.

هذه هي المرة الثانية في تاريخ الأحزاب الإسلامية التركية التي نرى فيها قياداتها تنشر غسيلها على هذا النحو أمام الرأي العام التركي بعدما كانت تتبنى المثل التركي القائل «تكسر الذراع وتظل في الكم». فهل تشهد تركيا ولادة حزب إسلامي ثالث بعد «السعادة» و«العدالة»؟ هل تحتاج البلاد إلى حزب جديد بهذه المواصفات ينافس هذين الحزبين على أصوات القواعد الشعبية الإسلامية؟ وما هي حظوظه في حشد القواعد، أم أنها ستكون حالة جديدة لتفتيت هذه الأصوات وتشتيتها أكثر فأكثر لإضعاف «العدالة» والإسلاميين في تركيا؟