الدور السوري ينتزع المبادأة عراقيا

TT

لم يكن اللقاء بين علاوي والصدر حالة عادية، بعد ظهور اعتراضات كثيرة من بعض القيادات الصدرية على الإقرار بحق «العراقية» في تشكيل الحكومة المنتظرة. وفجأة حصل ما يمكن ما وصفه باختراق مميز مُهد له باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد لرئيس «الكتلة العراقية» وزعيم «التيار الصدري» على انفراد. وعلى الرغم من عدم حدوث اتفاق شامل بين الطرفين، فإن مجرد اللقاء بينهما يعتبر خطوة كبيرة نحو إعادة صياغة العلاقات بين المكونات السياسية وفق أسس وطنية، بعيدا عن المسميات الطائفية، التي لم يعد يستسيغها العراقيون.

الدور السوري كان مؤثرا في الوضع العراقي منذ مراحل التغيير الأولى. وقد سجلت القيادة السورية موقفا مميزا حين قررت قبول تدفق المهجرين العراقيين إليها تحت ضغط التصفيات البشرية، التي غطت عامي 2006 - 2007. كما أنها وقفت كالعادة على مسافة متقاربة من جميع الكتل السياسية، «عدا المالكي» الذي اتخذ مواقف سياسية وإعلامية حادة تجاه الدور السوري، لم تستند إلى معطيات يمكن التعويل عليها. وهو ما اعتبر من قبل السوريين نكرانا لجميل قبول لجوئه على أراضيهم لنحو عقدين من الزمن. ولم تكن أبواب المساعدات والتسهيلات بعيدة عنه في تلك المرحلة.

لقد حاول المالكي التشويش على لقاء دمشق بتحقيق لقاء مع علاوي في اليوم التالي، إلا أن ما رشح من معلومات يؤكد أن عقدته في تجديد سلطته لا تزال تراوح مكانها. وقد صدر من أطراف من العراقية ما يشير إلى أن تمسكه برئاسة الوزراء يعود إلى تخوفه مما تكرر تناوله مؤخرا عن خروقات كبيرة في إدارة الدولة، وخشية فتح ملفات تتعلق بمصروفات بلغت نحو 300 مليار دولار خلال السنوات الأربع الأخيرة، طبقا لما قاله السيد عمار الحكيم، الذي بدأ عملية تصد مميزة لكشف سوء الإدارة والفشل الذريع في تحسين الخدمات.

إن أكبر مشكلة يمكن أن يواجهها المالكي هي أن يحصل توافق بين علاوي والصدر والحكيم على تشكيل الحكومة وباتفاق لاحق مع الكرد. لأن خطوة كهذه ستؤدي إلى حرمانه من المشاركة في سلطة الدولة، وإضعاف دوره السياسي، وتعريض الهيكل الذي عمل على بنائه خلال سنوات الحكم إلى الانهيار الشامل. فالصراع السياسي بينه وبين قوى الائتلاف مسألة وجود.

ويفترض أن يقدم المالكي تنازلات جوهرية إلى «الكتلة العراقية» تفاديا لاحتمالات اتفاق خصومه السياسيين، إلا أنه لا يزال مصرا على مواقفه، استنادا إلى ما تسرب من معلومات عن دعم إيراني أشرنا إليه في مقال سابق، مقابل التزامات بمطالب معروفة، بما في ذلك التضييق على المعارضين الإيرانيين في معسكر أشرف.

حتى الآن، انقضت عشرة أيام من فترة الأسبوعين المحددة من قبل الكتل السياسية لإعادة اجتماع البرلمان، وكل ما قيل عن تحقيق تقدم في حوارات الكتل لا يتعدى الآمال. فالخلافات باقية على حالها تقريبا. وإذا كانت النقاشات مركزة على موضوع رئاسة الوزراء، فالحوار بين قوى الائتلاف الكردستاني والكتل الأخرى لم يصل إلى مستوى الطرح الجدي ويرجح استغراقه وقتا أكثر من المتوقع.

الدور الإيراني لا يزال مؤثرا إلى حد ما، إلا أنه ليس أكثر قوة وتأثيرا من الدور السوري التركي المشترك، الذي ظهر في اجتماعات دمشق. فالحديث الإيراني المتكرر عن إبعاد كل ما كان بعثيا يتقاطع سلبا وبقوة مع الموقفين السوري والتركي. كما أن إعادة فرض المالكي تعتبر تجاوزا على المشاعر السورية وعلى مصالح قوى الائتلاف، التي يمكنها التعويل على دعم عربي بدلا من دعم إيراني يسبب حرجا كبيرا.