ماذا عن نظام استخباراتي أصغر حجما وأكثر كفاءة؟

TT

لقد قدمت السلسلة التي نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» بعنوان «أميركا بالغة السرية» عملا رائعا في رسم خريطة لمجتمع استخباراتي كبير للغاية وغير عملي، ومليء بعدد كبير من العمليات الزائدة عن الحاجة، لدرجة أنه يمكن أن يطلق عليه، حسبما ذكرت الصحيفة في عنوان التحقيق، «عالم خفي بات عصيا على السيطرة».

وينبغي لإدارة أوباما، بدلا من اتخاذ رد فعل دفاعي، اغتنام المبادرة عن طريق محاولة السيطرة على هذا العملاق. والمفارقة هنا هي أن وجود مجتمع استخباراتي أصغر حجما وخاضع لسيطرة أفضل سيجعل البلاد أكثر أمنا من هذا الانتشار الخارج عن السيطرة الآن. وهذه هي المهمة الحقيقية لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية، الذي تم إنشاؤه عام 2005 لتحقيق النظام بدلا من الفوضى الاستخباراتية. وعن طريق اختيار المعارك الخاطئة وخوض حروب حول النفوذ، جعل هذا المكتب بعض هذه المشكلات أكثر سوءا، والنموذج الصائب هو مكتب الإدارة والموازنة، وهو طاقم من الخبراء يستطيع مراقبة الموازنات والعاملين والأداء.

واتخذ جيمس كلابر، مرشح أوباما لرئاسة مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، بعض الخطوات الأولية المتذبذبة أثناء جلسة تأكيد ترشيحه، حيث انتقد «الإثارة» في سلسة صحيفة «واشنطن بوست» التي حظيت بالإشادة على نطاق واسع من جانب خبراء آخرين في مجال الاستخبارات. وبصورة غير حكيمة رفض مشكلة العدد الزائد في البيروقراطية الاستخباراتية، التي ينظر إليها كثير من الخبراء على أنها خطيرة.

وقال هنري كرومبتون، ضابط بارز سابق في مكافحة الإرهاب بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الذي يدير حاليا شركة تعمل في مجال المتعهدين الاستخباراتيين: «هناك حاجة إلى ثورة في المجتمع الاستخباراتي، وليس تطورا. نحتاج إلى خفض العدد بصورة كبيرة وتمكين الأفراد الذين يعملون في المجال. ما كنا نفعله هو إغداق الأموال على المشكلة» مما قاد إلى نقص كبير في التنسيق.

كيف تطورت «أميركا بالغة السرية» الخارجة عن السيطرة، وكيف يمكن إصلاح هذه المشكلة؟

لقد ظهر عدد كبير للغاية من المتعهدين قبل عقد، وفي بعض الحالات قدموا خدمات ضرورية وفعالة. وذات مرة قامت البحرية بتربية قطيع من الأبقار لتوفير الحليب للأكاديمية البحرية ووضعت القيود الخاصة بها. وأصر الجيش على أن الأسلحة الوحيدة الموثوق بها هي الأسلحة التي تم تصنيعها في الترسانات التي يديرها الجيش. وقد تغير ذلك مع الحرب الباردة وتقدم التكنولوجيا، التي خلقت ما أطلق عليه الرئيس دوايت أيزنهاور «المجمع الصناعي العسكري».

وتحتوي نسخة المجتمع الاستخباراتي من هذا المجمع على كثير من الشركات العملاقة القديمة أثناء الحرب البارد، حيث تعد شركات «جنرال دايناميكس»، و«نورث كورب غرومان» و«رايثيون» و«لوكهيد مارتن» من بين الشركات العشر التي تنفذ العمل بالغ السرية، وفقا لما ذكره تحقيق «واشنطن بوست». ويزداد الازدحام في النطاق الاستخباراتي في الوقت الذي تسعى فيه شركات الدفاع إلى عقود مربحة في مجال مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي لتحل محل مشتريات الأسلحة التي تم خفضها.

ومما لا شك فيه أن المجتمع الاستخباراتي يحتاج إلى مساعدة القطاع الخاص. وذات مرة، أدارت إدارة العلوم والتكنولوجيا في وكالة الاستخبارات المركزية الإنجازات التكنولوجية التي قلدتها الصناعة في وقت لاحق. بيد أنه في عصر تكنولوجيا المعلومات، تم عكس هذا التدفق. وشهدت وكالة الأمن القومي الجانب الإيجابي والجانب السلبي في التعهيد. أطلقت الوكالة عام 2001 برنامجا ناجحا لتحديث تكنولوجيا المعلومات. وكانت التجربة الأقل حظا هي برنامج آخر للوكالة تم إطلاقه عام 2000، الذي سعى إلى المساعدة من القطاع الخاص في تطوير قدرات المراقبة وتخزين البيانات. وكان في هذا البرنامج تجاوزات كبرى في التكلفة وأمور أخرى مخيبة للآمال.

وتم إنفاق الكثير في الحرب على الإرهاب، كما كان الحال في الحرب الباردة. وقد شكلت قيادة العمليات الخاصة التابعة للجيش، التي تقع في تامبا، شبكة سرية ضخمة من المتعهدين الذين ينفذون مهمات سرية تتراوح بين «رسم خرائط بشرية» وجمع معلومات استخباراتية في مناطق الحروب. وحسب أحد التقديرات، لدى شركة «سوكوم» 1000 فرد يعملون في الأنشطة السرية التي تقوم بها.

وأنفقت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أيضا كثيرا من الأموال منذ 11 سبتمبر (أيلول). وقال الجنرال المتقاعد مايكل هايدن، المدير الأسبق للوكالة: «لقد توسعنا بصورة سريعة للغاية، وكنا نقدم العطاءات أحيانا ضد أنفسنا» حول خدمات المتعهدين. وشهدت الوكالة مثل هذه الهجرة السريعة لموظفيها الذين يحملون الشارات الزرقاء إلى وظائف أفضل من حيث الرواتب كمتعهدين يحملون الشارات الخضراء ويقومون بالعمل نفسه، ومنعت الذين يستقيلون من العمل في وكالة الاستخبارات المركزية من التعاقد هناك خلال الـ12 شهرا التالية. لكن هذه التحركات نادرا ما كانت تحل المشكلة.

وقد لعبت عملية وضع الميزانية في الكونغرس دورا هي الأخرى؛ فقد جاء معظم الإنفاق في العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب من الاعتمادات الإضافية، التي يجب تجديدها كل عام. لذا، ينظر إليها على أنها غير مؤكدة. وقد فضلت الوكالات الاستخباراتية إضافة هذه الزيادة من خلال المتعهدين «المؤقتين» بدلا من الموظفين الدائمين.

وكانت النتيجة هي «مجتمع» متضخم يمزج بين السرية والبيروقراطية في مزيج هدام، كما وصفه الصحافيان دانا بريست وويليام آركن. وقبل عامين كتبت أن المشكلة سيئة للغاية لدرجة أننا ينبغي لنا تدمير الهيكل الحالي والبدء من جديد. وربما يكون ذلك متطرفا، لكن كلمة السر لدى كلابر ينبغي أن تكون: «الأقل هو أفضل». لقد عبرت سلسلة «واشنطن بوست» بصورة مسرحية عن نظام لا يعمل، وفي هذه الحالة سيكون النظام الأقل حجما أكثر كفاءة، وأقل تكلفة أيضا.

* خدمة «واشنطن بوست»