فكّر بصمت.. تُبدع في عملك!

TT

أظهرت دراسة علمية حديثة1 أن «الذين يفكرون في صمت لدقائق معدودة خلال الاجتماعات مع الآخرين لا تزداد قدرتهم على التركيز فحسب، بل قد تتفتق عقولهم عن أفكار جديدة تساعدهم على تحقيق أهدافهم». هذا باختصار ما توصلت إليه دراسة هولندية بجامعة تيلبورغ.

وتبين أيضا أن «التفكير في صمت لمدة خمس دقائق خلال اجتماع مدته 45 دقيقة يضاعف عدد الأفكار الجديدة للمجموعة التي تشارك في الاجتماعات ويساعدها على بلوغ أهدافها»، فضلا عن «رفع معدل التركيز أثناء الاجتماعات». وقد توصل الباحث إلى هذه النتيجة بعد أن حلل معلومات تتعلق بالإدراك والجوانب النفسية والاجتماعية لكثير من الأشخاص جمعت على مدى أربعين عاما، وتبين له أن «التحدث والتفكير في الوقت نفسه خلال الاجتماعات يخفض قدرة البعض على الإبداع».

وعليه، فإن من يريد أن يضفي على تفكيره لمسة إبداعية سيحتاج إلى لحظات من الصمت. ولا أعلم لماذا تذكرت ذلك العبقري الروسي الذي حل قبل أيام مسألة رياضية استعصت على أذكى علماء الرياضيات، لأكثر من مائة عام، حيث تخيلته وهو يفكر في صمت عميق حتى توصل إلى حله الإبداعي (ورفض بعده تسلم جائزة قيمتها مليون دولار أميركي)! لا شك في أن هذا المبدع وغيره من الناس، على مر الأزمان، لم يتوصلوا إلى أفكارهم المبدعة لولا لحظات من الصمت والتأمل العميقين.

وإنه لحري بالمديرين أن ينتبهوا إلى أهمية منح مرؤوسيهم متسعا كافيا من الوقت للتفكير جيدا قبل خروجهم بحلول لمشكلات الإدارة أو الشركة أو الوزارة، التي تناقش في الاجتماعات. فلم يعد الموظف «المهذار» في الاجتماع دليلا على أنه «فاهم أو عبقري» كما يتوهم البعض، فقد يكون الموظف صامتا لكنه يفكر في فكرة عبقرية ولا يحبذ البوح بها حتى تختمر جيدا في ذهنه. ومن هنا يتبين أن الصمت أثناء الحوار سلوك صحي يبلور أفكار المشاركين.

والصمت، بالمناسبة، هو نوع من التواصل غير اللفظي مع الآخرين. فلو أن شخصا كان يقود سيارته مع زوجته، فإذا بها تنبهه إلى ظهور لوحة مرورية تشير إلى قربهما من الوجهة المقصودة، فقام الرجل بتخفيف سرعته بصمت، فإن هذا يعني أنه يتواصل معها ذهنيا ولكن من دون أن ينبس ببنت شفة!

ولا يعيننا الصمت على التفكير الإبداعي فحسب، بل إنه يساعد في التقليل من الأخطاء، ذلك أن «أكثر أخطاء ابن آدم في لسانه» ومن «كثر كلامه كثر سقطه». والصمت مطلوب حينما لا يجد المرء ما يقوله. وإذا اقترن الصمت بحسن الاستماع إلى المتحدثين استفاد صاحبه أيما استفادة، وزادت حصيلة معلوماته، الأمر الذي يفترض أن يجعل مداخلته أكثر قيمة وفعالية.

صحيح أن «الصمت سياج الحكمة» كما يقال، لكنه لا يعني أن يخيم على اجتماعاتنا صمت مطبق، كصمت القبور، ولكن المطلوب هو أن يتحاور الناس بصورة اعتيادية، إلا أنه يتوقع من المتحدث أن يصمت قليلا ليفكر جيدا قبل أن يدلي بدلوه أمام الحاضرين ليفيد ويستفيد. وإذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب هذه المرة!

[email protected]