وأنت طيبة يا حاجة!

TT

- يا عم أبو رواش.. سوف نكون في غاية الأدب. لا تخف. ثم إننا في المرة الماضية لم يكن لنا ذنب..

وهز رأسه، ومد يده لكي نقبلها، وقبلنا وشكرنا.. ففي المرة الأولى كانت الجلسة عنيفة جدا. ومزقت النساء ملابسهن، وتعرين، وتساقطن نائمات. وكان من الضروري أن يخرج أي رجل من المكان فورا.

أما المكان فهو في آخر ضاحية المعادي: فيلا «الأحضان».. فكل شيء يحتضن كل شيء. الأشجار تتعانق والزهور حول حمام السباحة.. إنها قلعة. الورق الأخضر والزهور من كل لون.. لكن صاحبة الفيلا نبيلة مريضة. وعلاجها «الزار».. ويقال إن كلمة الزار كلمة أمهرية ومعناها أنه زارها.. أي العفريت الذي تلبسها قد زارها.. زار.. زار.. والسيدة التي تدير حفلات الزار اسمها الكودية، وربما كانت عربية.. أكدى يكدي.. فهي تتلقى الفلوس مقابل شيء. ويقال إنها من أصل إسباني غجري. «كودية» جاءت من كلمة «كوديا» أي القائدة أو الرئيسة.

وفي الموعد المحدد بدأت الطبول تدق بعنف، وبدأ الصراخ.. وهذه نبيلة أخرى، ثم السيدة التي كانت تحب أن نقبل يديها، وهي زوجة كاتب عظيم ليس بخيلا كما يقولون، لكن ليست عنده فلوس، فهو يكتب بصورة غير منتظمة، وهي تنفق بصورة منتظمة. وجاءت وألقت بملابسها. وهجمن جميعا على الكودية التي ترقص وتصرخ بكلمات يقال سودانية ويقال حبشية ويقال لغة التجراي..

كم من الوقت يمضي لكي تنزع كل السيدات ملابسهن الحريرية، ويمزقن ويضربن ويصرخن ثم يتساقطن على الأرض غارقات في الدم.. وفي هذه اللحظة يخرج كل رجل فورا.. وسحبت الذبائح إلى الخارج، وغرقت ملابسي في الدم. لا أعرف كيف.. وكان لا بد أن أبرح المكان. وسحبت الديك الأبيض والخروف الأسود.. وارتميت على الأرض. وفعلا نمت من التعب. نمت والله العظيم نمت، وهذا ما لا أستطيعه لو أخذت كل ما ابتدع الإنسان من حبوب منومة.. حتى الكلب جاء إلى جواري ووضع رأسه على كتفي ونام.. أو نام كأنه مات. ولم أجد عندي قوة لكي أدفعه بعيدا فرائحته كريهة.

وكانت ليلة حمراء وسوداء.. وجاء من يحمل النبيلات إلى السيارات.. أما زوجة أستاذنا العظيم فجاء ثلاثة وحملوها على حمالة وهي لا تكف عن الحركة أو الرعشة.. ونظرت إلى الكودية فقالت: لن تموت وإنما سوف تكون في صحة وعافية.. وعقبال عندكم وكل سنة وأنتم طيبون...

.. وأنت طيبة يا حاجة!