هل يمكن الهروب من المحكمة الدولية؟

TT

ظهر السيد حسن نصر الله، بصراحة يشكر عليها، عندما طالب، في خطابه أول من أمس، خصومه من قوى «14 آذار» بوقف الاتهام المنتظر من المحكمة الجنائية الدولية ضد أفراد في حزبه وإلا...! اشتكى من أن حزب الله وحده هو الملاحق، لا سورية أو الضباط الأربعة، موحيا باستخدام القوة مرة ثانية ضدهم!

زعيم حزب الله يهدد بأنه سيأخذ كل لبنان، لا تيار «14 آذار»، إلى الهاوية ما لم يوقف الاتهام الظني الآتي ضد بضعة أفراد من حزبه، حتى من دون أن يمنح فرصة للمحكمة أن تقدم أدلتها ضدهم.

فما الذي يستطيع قادة «14 آذار» أن يفعلوه لإرضائه؟ هل يمكن أن يفعل المعني الأول، أي سعد الحريري، أكثر مما أعلنه بأنه مستعد للتنازل عن دم أبيه من أجل مصلحة لبنان واستقراره؟

لا ندري كيف ستوقف التهم. فالمحكمة، وإن كانت تستند إلى القوانين اللبنانية، أصبحت دولية. أيضا، صارت حقيقة في هولندا بمبنى وقضاة وسكرتارية، صارت في رعاية مجلس الأمن، وتحت حماية الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة لتنفيذ قراراتها. السيد حسن يريد من الحريري أن يطلب من القوى الإقليمية أن تطلب من القوى الكبرى أن توقف المحكمة، فكيف يمكنها ذلك والمحكمة افتتحت جلساتها في مارس (آذار) من العام الماضي؟ كيف يمكن تجميدها وهناك ميزانية لثلاث سنوات بقي فيها نصفها؟

وهي ليست محاكمة قتلة الحريري، بل قتلة ضحايا يمثلون معظم اللبنانيين، ومن الخطأ اختزال القضية فقط في اغتيال الحريري، رئيس الوزراء الأسبق والشخصية السياسة المحورية، بل هي محاكمة لأكبر عمليات اغتيال في التاريخ الحديث وفي العالم كله، لا لبنان وحده. لقد قُتل اثنان وعشرون شخصية أخرى فاعلة في الساحة اللبنانية في غضون 14 شهرا، واحدا بعد الآخر. قُتل حزبيون ونواب وإعلاميون ومفكرون وقيادات عسكرية، جميعهم يشتركون في انتمائهم إلى «14 آذار».

طبعا من حق حزب الله أن يشعر بالخوف والحنق. الخوف لأن محاكم دولية جلبت في النهاية أنظمة وحكومات لمواجهة قضاتها وسجونها. والحنق لأن المتهمين الآخرين تم استبعادهم من قائمة المتهمين، تحديدا سورية والجنرالات الأربعة.

المشكلة أن زعيم حزب الله، الذي دعا إلى طي الصفحة وبدء تاريخ جديد مع خصومه ويريد منهم أن ينقذوا رجاله المتهمين المحتملين، في الوقت نفسه يهددهم بسلاحه منذرا بتكرار احتلال بيروت الغربية. ليس هذا فقط، بل طلب من اليتامى والأرامل صراحة أن يعلنوا توبتهم، ويذيعوا ندمهم! يريدهم أن يسامحوا، ويبرئوا رجاله، ويقبلوا يديه امتنانا. رائع جدا، فهذه ليست لغة المنطق أو المصالحة، بل لغة الممسك بالمسدس يملي على العزّل ما يريد.

لا ضرورة للدخول في جدل السنوات الخمس العنيفة لأنها راسخة في أذهان كثير من أهل المنطقة، وفتحت عيون الغالبية التي كانت لزمن طويل تصدق شعارات مواجهة العدو، مجرد خزعبلات افتضحتها الأحداث الماضية. ومهما ظن البعض في فريق حسن نصر الله أنه قادر على تخويف الأغلبية اللبنانية بسلاح الحزب وميليشياته، التي تزداد عددا وقوة، فإن الجميع جرب كيف أن استخدام القوة سلاح ذو حدين يرتد دائما على صاحبه.

الأحرى بالسيد أن يجعلها دعوة للمصالحة بمشروع جديد يضع فيه سلاحه وميليشياته تحت سلطة الدولة، حتى يأمن الناس على أنفسهم، لكن خطابه الأخير سيزيد من الشك والتخندق.

[email protected]