بدلا من الحرب.. نحتاج إلى اتفاق مع حزب العمال الكردستاني

TT

تعكف الحكومة، في الوقت الحالي، على التخطيط لإنشاء «وحدات خاصة» تقوم بمحاربة حزب العمال الكردستاني - التنظيم الإرهابي الخارج عن القانون - في «المناطق الحدودية». لكن، كانت الهجمات الأخيرة التي شنها حزب العمال الكردستاني في مختلف أنحاء البلاد وداخل اسطنبول ذاتها، وهذا شيء مؤسف.

وفي الوقت ذاته، يتحدث «خبراء عسكريون» على شاشات التلفزيون، ويوضحون كيف يجب علينا أن نتخذ خطوات أكثر جرأة في «الحرب على الإرهاب»، على غرار القيام بعمليات عسكرية شمال العراق. لكن، حسنا، ألم نجرب ذلك بالفعل على مدار أكثر من عشرة أعوام؟ والمفارقة أن حكومة حزب العدالة والتنمية كانت أشجع حكومة في التعامل مع القضية الكردية. وقد بدأ «الانفتاح الكردي» قبل عام، وكان واعدا في مستهله، لكن يبدو أننا عدنا حاليا إلى المربع الأول. وما زلنا نتحدث عن «الحل العسكري» نفسه الذي أثبت أنه حل غير فعال، بل ويعد حلا كارثيا فقد كانت حصيلته 42.000 قتيل.

وباختصار، لا يمضي حزب العدالة والتنمية بالصورة الصحيحة من أجل تحقيق انتصار على القوميين الأكراد. لكنه مضى بعيدا بالقدر الذي أغضب القوميين الأتراك. ولننظر إلى الطريقة التي حدث بها ذلك. لقد كان حزب العدالة والتنمية يحظى بشعبية بين الأكراد في البداية، وحصل على انتصار انتخابي عظيم في الجنوب الشرقي التركي عام 2007. وسرعان ما بدأ رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان انفتاحا في القضية الكردية يعتمد على عنصرين أساسيين.. وتمثل العنصر الأول في السعي إلى اكتساب المزيد من العقول والقلوب الكردية، وكان ذلك من خلال إصلاحات وإشارات أخرى ترتبط بالحقوق الثقافية، مثل تدشين قناة تلفزيونية رسمية على مدار اليوم باللغة الكردية أو السماح بتأسيس معاهد كردية في الجامعات.

واعتمد العنصر الثاني - وهو الأضعف - في «الانفتاح» على نزع سلاح حزب العمال الكردستاني. ومن الواضح أن الحكومة شاركت في حوار سري مع التنظيم، فوقع «حادث خابور». وبدأ ذلك عندما أتى اثنا عشر عضوا من حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل في شمال العراق، وهي قاعدة عسكرية للحزب، ودخلوا إلى الأراضي التركية من بوابة خابور الحدودية. وحقق مسؤولون بصورة موجزة مع هؤلاء الرجال غير المسلحين الذين كانوا يرتدون زيا موحدا، وكان المسؤولون مستعدين لتركهم يمرون، ورحب بهم الآلاف من الأقارب والمعجبين. وعندما وصلوا إلى ديار بكر، رحب بهم مئات الآلاف بصورة مدوية. وبالنسبة إلى هؤلاء الأكراد، كان مقاتلوهم الشجعان قد عادوا بعد أن حققوا انتصارا.

وبالنسبة إلى الباقين داخل تركيا، كان ذلك صادما ومثيرا للغضب. لقد ضحت البلاد بأكثر من سبعة آلاف جندي في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني. ولذا، كان «التنازل لصالح الإرهابيين» أمرا غير مقبول بصورة واضحة من جانب «عائلات هؤلاء الشهداء» والملايين الذين يشاطرونهم هذه المشاعر. وزادت الاحتجاجات، وتراجع الدعم الشعبي لحزب العدالة والتنمية، حسب ما تفيد به الاستطلاعات، إلى أقل معدلات له.

ومن ثم، أثبت «حادث خابور» أنه من المستحيل تكراره. وسريعا، بدأ حزب العمال الكردستاني ينفذ أعمال عنف من جديد (ويعتقد البعض أن ذلك بالتعاون مع «دولة العمق» التي كانت سعيدة باستمرار الحرب لترى حزب العدالة والتنمية يتعرض للفشل). وكان رد فعل الحكومة من خلال اتخاذ إجراءات صارمة ضد اتحادات المجتمعات الكردية، وهو الجناح الحضري المزعوم للتنظيم الإرهابي. وألقت الشرطة القبض على عشرات من العمداء المنتخبين داخل المناطق الجنوبية الشرقية، وكان ذلك خطأ جليا. ورد حزب العمال الكردستاني بالمزيد من أعمال العنف، ولذا وصلنا إلى وضعنا الحالي.

وأقدّر أن ما حدث في حقيقية الأمر كان بسبب أنه في أعقاب «حادث خابور»، أدرك حزب العدالة والتنمية أن الوصول إلى اتفاق مع حزب العمال الكردستاني غير مقبول لأغلبية المجتمع التركي. ولذا أراد حزب العدالة والتنمية أن يمضي قدما في العنصر الأول من «الانفتاح الكردي» (وأعني بذلك الحقوق الثقافية) من خلال استثناء حزب العمال الكردستاني، أو من خلال اتخاذ إجراءات صارمة ضده.

لكن من الجلي أن هذه الخطة لم تثمر، وببساطة فإن حزب العمال الكردستاني لا يسمح لأي شخص بأن «يحل المشكلة الكردية» من دون قبوله كشريك. ويعد ذلك شيئا سيئا، لكنه أمر واقع. ولا تفيد الخطط التواقة لـ«كسب الأكراد مع هزيمة حزب العمال الكردستاني»، لأن الحزب لديه الكثير من المناصرين المتعصبين بين الأكراد نريد أن نكسبهم. وتحصل أحزابه السياسية الكردية باستمرار على 5 في المائة من الأصوات في كل انتخابات. ولا توجد وسيلة لاستئصال هذا التنظيم الإرهابي الذي يحظى بشعبية.

وعليه فإن الوسيلة الوحيدة لإنهاء الكابوس التركي المستمر منذ عقود هي من خلال الوصول إلى اتفاق مع حزب العمال الكردستاني، وربما يكون شبيها نوعا ما بالاتفاق الذي وصلت إليه الحكومة البريطانية مع الجيش الجمهوري الأيرلندي في نهاية التسعينات. ويجب أن يصون هذا الاتفاق «وحدة تركيا غير القابلة للتجزئة»، لكن مع طرح لا مركزية أو ثقافة تعددية، وهو أمر غير مرغوب فيه من جانب العقلية «الكمالية» لكنه مشابه للعقلية «العثمانية». ويجب أن يفسح الطريق لإرهابيي اليوم لكي يكونوا سياسيي الغد، وهو الأمر الذي سيؤلم الكثيرين.

ويعد حزب العدالة والتنمية الأكثر قدرة بين الأحزاب السياسية التركية على النجاح في هذا «الانفتاح التركي» الكبير. لكنه لا يمكنه المضي في هذا الطريق وقد بقي على الانتخابات العامة أقل من عام، وحزب العمال الكردستاني يتصرف بعنف شديد (وبالمناسبة، ربما يقوم حزب العمال الكردستاني بذلك كي يخسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات، فحزب أردوغان منافسه الوحيد بين الأكراد).

وعليه، لا تبدو الأمور مثيرة للتفاؤل بدرجة كبيرة. لكن كان لدى صديقتي الأكاديمية أليدا ألسو التي تقيم في كاليفورنيا بعض الأمل عندما تحدثت إليها قريبا حول هذا الموضوع. وقالت: «من الطبيعي أن يقوم المتطرفون بتقويض السلام، لا سيما في الأوقات التي يكون فيها أمل أفضل من أجل تحقيق السلام». لكن المشكلة الوحيدة هي أن «المتطرفين» في هذه الحالة يمثلون الاتجاه الغالب في كلا الجانبين. ولا يوجد أحد منهم مستعد لإحداث تغيير كبير.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية

http://www.hurriyetdailynews.com/n.php?n=we-need-a-deal-not-war-with-the-pkk-2010-07-20