تهور النظام الإيراني من موقع ضعف

TT

ورد عن اللجنة العربية الإسلامية للدفاع عن «أشرف» هذا الخبر: أصدرت محكمة عراقية مذكرات إلقاء القبض بحق قادة مجاهدين خلق. ما هي هذه المحكمة؟ ومن هم قادة مجاهدين خلق؟ يقال: إن المحكمة عبارة عن مؤسسة كانت مكلفة من قبل الأميركيين بمحاكمة قادة العراق السابقين، وإن فترة عملها قد ولت وانتهت. وهذه المحكمة غير تابعة للنظام القضائي العراقي.

مجاهدين خلق هم أعضاء حركة بدأت نشاطها أيام الشاه في الستينات من القرن الماضي بهدفها المعلن: إسقاط نظام الشاه الدكتاتوري وإقامة نظام ديمقراطي مستقل مكانه. فقام الشاه بإعدام جميع المؤسسين والمسؤولين الكبار لهذه المنظمة، ما عدا واحدا منهم هو مسعود رجوي، فأصدرت المحكمة العراقية المذكورة في حقه مذكرة بالقبض. إنهم كانوا أول من رفع راية الثورة والفداء والتضحية في سبيل تحقيق طموحات شعبهم. إنهم راسخون في النضال وفي التمسك بالمبادئ.

ولمن يريد أن يرى ما هو دورهم يمكنه أن يشق الطريق من العقود الماضية إلى مشهد جديد من وجود هذه الحركة: 26 من الشهر الماضي يونيو (حزيران) في ضاحية باريس الشمالية، حيث كانت مدينة تافرني مسرح أكبر مظاهرة للإيرانيين خارج إيران حتى الآن. ولأنني كنت من بين الحضور أستطيع أن أشرح لكل من يريد أن يسمع ما دار في ذلك المشهد: بدعوة من حركة المقاومة الإيرانية توافد عشرات الآلاف من الإيرانيين من مختلف البلاد الغربية إلى باريس لإحياء ذكرى انطلاقة حركة المقاومة ولإحياء يوم الشهداء والسجناء السياسيين. كثير من وكالات الأنباء والصحف أعلنت أن عدد الحضور بلغ مائة ألف. وهذا الكم الهائل من أنصار المقاومة جاء ليقول: إن مجاهدين خلق ما زالوا على سابق عهدهم مع شعبهم.. وبصرامة أكثر؛ إنهم لن يألوا جهدا في تحقيق الديمقراطية والحرية لشعبهم ولإقرار السلام وحسن الجيرة مع الدول المحيطة بإيران. وكان من بين الحضور ممثلون عن ثلاثة آلاف وخمسمائة نائب من برلمانات مختلف الدول، بينها أغلبية أكثر من عشرين دولة، جاءوا لتأييد أهداف هذه المقاومة ولدعم طموحات الشعب الإيراني للوصول إلى الحرية والديمقراطية وحكم الشعب. كانت هناك ظاهرة أخرى لافتة جدا، هي البيان الموقع من قبل أربعمائة وثمانين ألف عراقي من أبناء محافظة ديالى في تأييد مجاهدين خلق وسكان معسكر أشرف.

بعد حضور هذا الحدث في باريس كنت أتوقع أن يحدث شيء ما في العراق ضد سكان معسكر أشرف، لأنني أتذكر أن بداية الهجوم المعلن والحصار على «أشرف» كان الإعلان عن بيان تأييد ثلاثة ملايين من الشيعة العراقيين لمجاهدين خلق واستنكارهم وشجبهم لتدخلات النظام الإيراني في العراق. وحيث إن هذا البيان وهذا التأييد كان بحضور ممثلين كبار عن شيعة جنوبي العراق في «أشرف» يونيو عام 2006 فإنني شعرت بأن النظام الإيراني جن جنونه بعدها. فبدأ يستخدم كل ما لديه من إمكانات لفرض الضغوط والحصار الظالم على سكان «أشرف».

كما أن هذه المخططات تم تطبيقها بشكل كامل منذ بداية عام 2009، أي بعدما سلمت القوات الأميركية حماية المعسكر إلى القوات العراقية، ولا ننسى نوعية الحماية (كذا!) التي تبلورت في الهجوم الوحشي في نهاية يوليو (تموز) من العام الماضي على «أشرف»، الذي أدى إلى مقتل أحد عشر شخصا من سكان المعسكر وإلى جرح وإصابة مئات منهم.

فلا شك أن النظام الإيراني هذه المرة أيضا هو الذي يقف وراء إصدار مثل هذه المذكرات، كما أنه لا شك أن الشعب العراقي المؤيد لمجاهدين خلق ولقضيتهم لا يرى في هذا الخبر سوى أضحوكة مفبركة من النظام الإيراني. ولا شك أن العراقيين الشرفاء الغيورين على وطنهم وقضيتهم يستنكرون مثل هذه الخدمات المقدمة من عملاء النظام الإيراني إلى أسيادهم الذين يتورطون في المشكلات المستعصية بينهم وبين أبناء شعبهم داخل إيران، حيث إن الشعب الإيراني أعلن بملء فيه أنه لا يريد هذا النظام ويتطلع إلى زواله، كما أن هذا النظام يعاني في الوقت الحالي من عزلة دولية خانقة بسبب تعنته واستعلائه أمام العالم.

وفي هذا المقام أرى من الواجب تذكر بعض الحقائق على سبيل المثال لا الحصر:

أولا: الناطق باسم مجلس القضاء الأعلى في العراق صرح أن المحاكم المرتبطة بمجلس القضاء الأعلى لم تصدر أوامر باعتقال عناصر منظمة مجاهدين خلق المقيمين في معسكر أشرف، والحديث عن صدور مذكرات اعتقال بحق 38 شخصا لا صحة له. كما أن وكيل وزارة الداخلية العراقية قال: «ليس لدى الوزارة معلومات عن ارتكاب عناصر المنظمة جرائم في الوقت الحالي».

ثانيا: ما يسمى بـ«المحكمة الجنائية العليا» في العراق ليس سوى محكمة خاصة أسسها الأميركيون عام 2003 بهدف محاكمة قادة العراق السابقين ولا علاقة لها بمجاهدين خلق والمقاومة الإيرانية. وفي نهاية عام 2009 أعلن الر‌ئيس السابق لهذه المحكمة انتهاء مهامها وقال: إن هذه المحكمة لن تنظر في أي ملف آخر.

ثالثا: يعرف جميع العراقيين والأميركيين أن المسؤولين من مختلف الأجهزة الأميركية قاموا عامي 2003 و2004 بإجراء تحقيقات واسعة مع كل فرد من مجاهدين خلق من سكان معسكر أشرف لمدة ستة عشر شهرا، وبعد انتهاء هذه التحقيقات اعترف الأميركيون بأنهم مدنيون تحت الاحتلال وأعلنوا بأنهم محميون بمعاهدة جنيف الرابعة.

رابعا: تزامنا مع هذه الأحداث نرى أن الشرفاء العراقيين الذين لهم انتماء للوطن يؤكدون على شرعية حضور مجاهدين خلق في العراق، ويكفي أن ننقل موقف الدكتور طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية في حديثه مع صحيفة «الزمان» 8 يوليو (تموز) الحالي حيث قال: «سكان معسكر أشرف ضيوف العراق في إطار اتفاقية جنيف الرابعة، وعلى العراق أن يوفر لهم الحماية والحياة الكريمة، كما أن على السكان أن يلتزموا بالمعايير وقواعد السلوك التي وردت في الاتفاقية المشار إليها».

خامسا: بناء على معرفتي فإن مذكرات إلقاء القبض صدرت قبل نحو عام بتاريخ 20 يوليو من العام الماضي. وهذه الوثائق حصلت عليها المقاومة الإيرانية من داخل إيران. ومن المعروف أن هذا التاريخ كان قبل أسبوع من هجوم القوات العراقية على «أشرف». فالسؤال هو: ماذا كان المخطط في إصدار هذه المذكرات آنذاك؟ وما هو السبب لتحريكها في الوقت الحالي؟ وهل هناك مخطط آخر للهجوم مرة أخرى على «أشرف»؟

وهنا أعتقد أننا نستطيع أن نؤكد ونكرر ما تقوله المقاومة الإيرانية: «إن النظام الإيراني في الوقت الذي انتهت فيه رسميا ولاية رئيس وزراء العراق نوري المالكي ولم يتم بعد تشكيل الحكومة الجديدة، يتلاعب مع مختلف أجهزة الحكومة العراقية للابتزاز والصخب والحرب النفسية ويروج للإشاعات التي تستهلك وتفيد في الدرجة الأولى في رفع المعنويات المنهارة لقوات حرسه وهيكلة النظام الآيل للانهيار والعزلة في داخل إيران».

هذا.. وكان في جدول أعمال النظام الإيراني ولا يزال أن يضرب في العراق عصفورين بحجر واحد، بأن يقضي على معارضيه الجادين الحقيقيين المتمثلين في سكان «أشرف» ومجاهدين خلق، ومن ثم إحكام استيلائه الكامل على العراق؛ لأنه يعتقد ويرى أن مجاهدين خلق هم الذين يشكلون السد المنيع أمام ابتلاع العراق من قبل النظام الإيراني، كما أعلنه خمسة ملايين ومائتا ألف عراقي في بيانهم التاريخي الصادر يونيو عام 2006. فيجب إزالتهم من العراق حتى يستطيع بعد ذلك تطبيق خطته التاريخية. ولتطبيق هذه الخطة يستفيد النظام الإيراني من الناس الذين استطاع خلال السنوات السبع الماضية توكيلهم في مناصب حكومية في مختلف مناحي العراق.

كما أن القياديين السياسيين العراقيين من أمثال صالح المطلك وظافر العاني وحيدر الملا وغيرهم حذروا من استغلال إيران للفراغ الدستوري في العراق لتصفية معارضيها وخصومها من عناصر منظمة مجاهدين خلق الإيرانية.

فاسمحوا لي أن أناشد الشعوب والدول العربية في هذا الشأن، وأريد أن أتجرأ وأخاطب القادة العرب في هذا المجال أيضا وأقول لهم: إن قضية «أشرف» ومجاهدين خلق هي قضية مصيرية لجميع العرب والمسلمين؛ لأنني أعتقد أننا جميعا عارفون أن هذا النظام يتأبط شرا بنا جميعا، ولا يتورع أن يعلن ذلك جهارا، كما أن تصرفاته أوضح من مواقفه، فإذا استطاع النظام الإيراني تطبيق مخططه ضد «أشرف» ومجاهدين خلق فلا شك أنه سيقضي بعد ذلك على جميع القوى الديمقراطية العراقية، وبعد ذلك سيتوجه نحو الدول العربية الأخرى.

بإمكاننا أن نقول: إن هذا النظام الذي يعيش أصعب ظروفه الداخلية والإقليمية والدولية لن يستطيع فعل ذلك، لكن يجب الانتباه إلى أنه الآن في وضع حرج على مختلف الأصعدة، ويبحث عن مخرج من هذا المأزق. ولا شك أنه لن يدخر أي محاولة للتخلص من هذا المأزق.

فإذا استطاع - لا قدر الله - أن يخرج من مأزقه على حساب المقاومة الإيرانية فسيقوم بذلك من دون أدنى تردد. فعلينا أن ندرك جميعا حجم المخاطر التي يحملها هذا النظام لنا في مخططاته وألا نسمح له بالتقدم فيها.

* رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق.. ورئيس اللجنة العربية الإسلامية

للدفاع عن «أشرف»