تباكيت وعويت كالذئب

TT

أقيمت مسابقة للبكاء وإسالة الدموع في أحد المهرجانات الثقافية بمدينة «أريسة» بالهند. وكشفت قناة «ا. ر. واي» الإخبارية الباكستانية الناطقة باللغة الأردية أنه قد تم تنظيم مسابقة للبكاء وإسالة الدموع شارك فيها ما لا يقل عن 20 امرأة هندية أغلبهن من كبيرات السن.

وبدأت المسابقة بموسيقى محزنة خفيفة، واشتدت بعد لحظات، واشتدت معها دموع الباكيات، حيث أثرت الموسيقى على مشاعر النساء فأصبحن يبكين بأصوات مرتفعة. وفي نهاية البكاء فازت إحداهن في المسابقة وحصلت على لقب «ملكة الدموع»، كما حصلت على جائزة تقديرية.

لو قدر (للندابات) المصريات، اللواتي يستأجرهن أهل الميت للبكاء عليه وتعداد صفاته ومزاياه.. أقول: لو أنه قدر لهن أن يشتركن في مثل هذه المسابقة فمن المشكوك فيه جدا أن يغلبهن أحد في هذا المضمار.

ومن طبيعتي أنني قليل البكاء، مهما اشتد بي الحزن، ولا أذكر متى بكيت فيها بجد، لكنني أذكر متى تباكيت فيها بما يشبه التمثيل، وقد سبق لي أن رويت ذلك، لكن لا بأس من الاستعادة فقد يكون فيها شيء من الإفادة.

في سنة من السنوات ذهبت لزيارة (مدائن صالح) الأثرية، وقبل أن نصل إليها قال لي المرشد السياحي الذي يقود السيارة، علينا إذا شارفنا على الدخول أن نبكي أو نتباكى مثلما أمرنا الرسول الكريم بذلك لكي نأخذ العبرة. هززت له رأسي ظانا منه أنه يمزح، لكن ما إن دخلنا حتى أجهش هو بالبكاء، وسالت دموعه مدرارا حتى إنها خضبت لحيته، وأسقط في يدي، واستجمعت حالي لكي أشاركه البكاء، وعصرت عيني علها تسقط ولو دمعة واحدة لكن من دون جدوى، فقررت البكاء (على الناشف)، غير أنني أيضا احترت في الطريقة المثلى التي يجب أن أتبعها في بكائي، فحسب مشاهداتي لبعض البكائين الذين مروا علي في حياتي، فهناك من يبكي بصوت مكتوم تتجاوب معه أكتافه باهتزازات كهربائية، وهناك من يجعر بصوت هو أقرب إلى أنكر الأصوات، وهناك من يعوي كالذئاب، وهناك من يصدر أصواتا كالديك الرومي عندما يستعرض أمام الدجاجات، وهناك من إذا بكى أصدر فرقعات متوالية بفم مفتوح على الآخر، وأنف لا يتوقف عن السيلان، وهناك من إذا أراد أن يبكي سلهم بعينيه وأخذ يحن ويون بأناقة وهو جالس في مكانه.

كان لزاما علي أن أختار وبسرعة نوعية ملائمة من هذه النوعيات من البكاء التي سردتها، واستقر رأيي على النوعية الأخيرة، وهي أقرب ما تكون (للرومانسية).

وفعلا أرسلت نظري نحو الأفق البعيد، ثم تنهدت تنهيدة طويلة، وألقيت برأسي على الحافة العلوية للكرسي، محاولا تذكر كل أحبابي وأعزائي الذين فقدتهم لكي تتهيج مشاعري وأدخل في الجو، وكلما تذكرت راحلا واحدا زاحمه في ذاكرتي ثلاثة أو أربعة من الأحياء الأوباش، وهذا هو ما أوقعني في حرج شديد أمام السيد المرشد، فعقدت العزم على أن أتباكى مهما كلفني الأمر، فما كان إلا أن أضرب عرض الحائط بالبكاء الرومانسي، مفضلا عليه النموذج الثالث، لهذا أخذت أتباكى وأعوي كما يعوي الذئب، لمدة لا تقل عن عشر دقائق، ويبدو أنني أبليت بلاء حسنا، لأنني ما إن توقفت، حتى أثنى المرشد على أدائي، ودعا لي بالخير العميم.

[email protected]