نصر الله وتبرئة سورية!

TT

بالتأكيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، أكثر الناس ملاحظة أن عدد اللقاءات التي تمت بين الرئيس السوري بشار الأسد، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، مؤخراً، تفوق حجم لقاءات الحريري نفسه بنصر الله، أو حتى بوليد جنبلاط الذي منحه حسن نصر الله صك الغفران السياسي، لأنه راجع مواقفه الأخيرة، كما يقول نصر الله. جنبلاط الذي من المتوقع أن يقول في حال اتهام حزب الله، ولو في داخل نفسه، فليذهب حزب الله غير مأسوف عليه، خصوصاً لو اشتم جنبلاط مباركة سورية على ذلك.

وعليه، فإن خطاب نصر الله الأخير ليس تهديداً، وهذا غير مستغرب منه، بقدر ما أنه تعبير عن صدمة وتخوف من قرار ظني قادم قد تصدره المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري وتتهم فيه أعضاء من حزب الله، مما يعني اتهام الحزب نفسه، وبالتالي تبرئة سورية، بحسب ما قاله نصر الله، ولذا فإن ثناء نصر الله على تبرئة سورية، وبشكل مبالغ فيه، دليل على قلق الحزب أكثر من سعادته، كما أظهر نصر الله، وعلى طريقة «كاد المريب أن يقول خذوني»، فزعيم حزب الله من الذكاء لاستيعاب ما ذكرناه سلفاً، عن أن زيارات الحريري ولقاءه بالرئيس الأسد باتت متكررة بشكل كبير؛ ولذا فحديث نصر الله عن ترحيبه بزيارة الأسد للبنان، وضرورة التسريع بها، وضرورة الاعتذار لسورية، مزايدة واضحة لإخفاء قلق الحزب من تبرئة دمشق وإدانة رفاق نصر الله.

ومن هنا يمكن أن نقول إن نصر الله قلق من أن تكون سورية قد تركته وحيداً هذه المرة ليواجه طوفان محكمة الحريري، وهذا أمر غير مستبعد، فما يجمع دمشق بحزب الله ليس وحدة مصير وإيماناً بالمقاومة كما يقال لنا كل يوم، وليس موقفاً استراتيجياً، بل هو تكتيك مرحلي، استمراره لا يعزى لذكاء حزب الله أو إيران، بل للغباء الإسرائيلي، وقصر النظر الأميركي في رؤية أهمية إنجاز السلام السوري - الإسرائيلي، وبالتالي الانسحاب من الجولان، كما أن العلاقة السورية - الإيرانية، التي يستفيد منها حزب الله، مرتبطة بقوة إيران، أكثر من كونها موقفاً استراتيجياً سورياً أيضاً، ومع أزمة طهران الخارجية والداخلية، نستطيع أن نفهم لماذا تدفع دمشق بالأتراك في كل ملفات المنطقة، فلا يمكن لدمشق التي يقول رئيسها صراحة إن ما يشغله هو ترسيخ العلمانية في المجتمع السوري والحفاظ عليها، (وهذا ليس تصريحاً للاستهلاك الخارجي، بل ها هي دمشق تحظر النقاب في الجامعات والمعاهد العلمية)، أن تكون، أي دمشق، حليفاً لحزب ديني في لبنان، مثل حزب الله، أو نظام إسلامي متطرف مثل الجمهورية الإيرانية التي تحدد لشعبها ملبسه، وقَصة شعره.

وبالتالي، فإن من يتأمل أفعال سورية، لا أقوالها، يستطيع فهم قلق حزب الله وحسن نصر الله، من محكمة الحريري، وغيرها، سواء في العراق، أو الموقف من تركيا، أو عدد لقاءات الحريري المتكررة مع الرئيس الأسد مؤخراً.

ومن هنا نقول إن ما يقلق نصر الله ليس اتهام بعض من أعضاء حزبه فقط، وإنما تبرئة دمشق في الوقت نفسه، وذلك يعني خطراً على حزب الله، يدرك مغزاه نصر الله جيداً.

[email protected]