سكان «الفيس بوك»!

TT

هل بتنا نحن أهل الكهف أم أنهم سكان الكواكب البعيدة؟ أعني نصف مليار يسكنون في موقع «الفيس بوك» الإلكتروني، هذا الموقع الطفل الذي بلغ فقط سن الستة أعوام يضم اليوم من البشر أكثر من عدد البالغين في أكبر بلد في العالم، منتدى لم تعرف البشرية مثله من قبل، حيث كانت لا تتجاوز قدرات الانتقال والهجرات سوى بضعة ملايين من الناس. هل يعقل أننا نشهد في هذا الزمن القصير ولادة أجيال ونظام حياة وثقافة جديدة، كما هو الحال في هذا الموقع والمواقع المثيلة الأخرى التي تؤوي ملايين أخرى من الجنس البشري؟

أعتبر نفسي من أقدم الناس الذين تعاطوا مع الثقافة الإلكترونية حتى قبل ظهور «أبل ماكنتوش»، حينها وفي مطلع الثمانينات كانت هناك «خدمة نيكسس» التي لا أعرف ماذا حل بها اليوم. اليوم بلعت ما تبقى من عناد وسجلت وشاركت وتعايشت، أو لنقل حاولت مجاراة أجيال «الفيس بوك» و«تويتر»، ومئات الشبكات الاجتماعية، وصرت واحدا من المواطنين الإلكترونيين، لكن بعد نحو عامين وجدت أنه من الصعب أن أتخلى عن الحياة التقليدية، فأنا من سكان «ستاربكس»، حيث أستطيع أن أمارس حواسي الخمس، أرى وألمس وأشم وأتذوق وأسمع، أما في دار «الفيس بوك» فأنا لا أعرف إن كان الرفيق آدميا أو حيوانا إلكترونيا يدعي أنه شخص، لا أعرف إن كان اسمه هو اسمه، وصورته هي صورته، وإن كانت مشاعره هي التعبيرات التي يستعيرها من لوحة المفاتيح. عالم متناقض فيه منتهى الصراحة وغاية التزوير، وأنا مدرب منذ نعومة أظفاري على أن أعرف الناس بمشاهدتهم لا بقراءتهم! ومع احترامي لكوكب «الفيس بوك»، الذي يحتل المركز الأول اجتماعيا في العالم والثاني في ترتيب الزيارة الإلكترونية، أشعر بأنه بالفعل عالم افتراضي بعيد جدا رغم شفافيته التي لا تجاريها وسيلة أخرى وليبراليته وبابه الذي لا يغلق في أي وقت.

كيف صار العالم يتم استقطابه بسرعة خيالية من قبل هذه الكواكب الإلكترونية التي توزع الناس على مستوطناتها بحسب اهتماماتهم، من كبار أهل الفن، وحتى الأطفال من سن العاشرة في موقعهم «وي ورلد»، جنبا إلى جنب مع موقع العلماء، أعني علماء الحقائق، على موقع «جينولوجي».

أظن أننا نحتاج إلى إعادة صياغة قراءة العالم من جديد، بل نحتاج إلى إعادة النظر في وسائل القياس. صارت هناك طبقات هائلة من البشر خارج رصدنا اليومي العادي، تمثل كل الأجيال الجديدة التي تعيش اليوم في فضاءات بعيدة تماما. وما موقع «الفيس بوك» إلا واحد من هذه الفضاءات خارج تلسكوبات النظارة التقليديين.

ولأننا أمام طوفان جديد، لا يوجد خيار سوى الانضمام إلى هذه العوالم الجديدة والسكن فيها، وأخشى ما أخشاه أن ننتهي كما ظهر في فيلم «ماتريكس» أو «المصفوفة» الذي أقترح عليكم مشاهدته لأنه يعبر كثيرا عن حال مستقبلنا القريب، مجرد بشر حقيقيين متصلين بأسلاك إلى حياة الكمبيوتر الخيالية.

[email protected]