والخيارات تضيق كـ«زواريب» بيروت

TT

أصعب وضع يمكن أن يجد الإنسان نفسه فيه هو الوضع الذي يعيش فيه حاليا رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، فالرجل منذ تسلمه منصبه، وهو يسعى جاهدا إلى تجسير المسافة بينه وبين خصوم الأمس، واتخذ الكثير من الخطوات الإيجابية تجاه سورية، كما استطاع أن يزيل الكثير من الاحتقان بينه وبين بعض الفرقاء اللبنانيين، وبصورة خاصة حزب الله، وزعيمه السيد حسن نصر الله، مبديا الكثير من المرونة في التعامل مع الواقع اللبناني، لكن رياح المحكمة الدولية التي انطلق هبوبها، وتسربت شائعات عن قرارها الظني يمكن أن تقوض كل جهود الرجل، فللمحكمة حساباتها الخاصة، واستنتاجاتها، بعيدا عما يمكن أن يحدثه قرارها الظني من شرخ بالغ في الساحة اللبنانية، حيث سيجلب هذا القرار الظني في حالة صدوره وفق التسريبات الشائعة الكثير من الصعوبات إلى مائدة سعد الحريري، وسيجد نفسه مضطرا لاتخاذ أصعب قرارات حياته مع أو ضد القرار الظني، فليس ثمة منطقة وسطى يمكن أن يلوذ إليها، بعد رفض قبول مصطلح «عناصر غير منضبطة» من قبل حزب الله.

الذين يتشككون في صدقية ودقة القرار الظني يرون أنه يستمد شواهد وأدلة اتهامه من حقل الاتصالات اللبناني، وهو المجال الذي ينظر إليه بأنه أكثر المجالات اختراقا، خاصة بعد اتهام بعض العاملين فيه بالتجسس لصالح إسرائيل، وإمكانية قيام هؤلاء بأدوار قادت إلى تضليل التحقيق، وتوجيه بوصلة الاتهام إلى حيث تريد إسرائيل، وهو منطق سيكون مقبولا لدى شريحة من اللبنانيين، ولذا فإن القرار الظني الذي يصدر عن المحكمة الدولية يفترض أن يبنى على وقائع وقرائن أكثر تحديدا وثباتا ووضوحا، لتجنيب لبنان الفتنة بين المشككين في القرار، والمتقبلين له.

أدرك أن ثمة استباقا لصدور القرار، وأن ثمة قراءات قد تتطابق معه، وقد يأتي القرار مخالفا لكل ما يشاع، ولكن من يقنع اللبنانيين بالانتظار، وقد علّمتهم التجارب أن لا يكتفوا برؤية الأكمة، ولكن بنزعة التعرف إلى ما خلفها.

وما يمكن أن أكتبه مطمئنا أن الرئيس الحريري سعى جاهدا ومخلصا وصادقا لأن يجعل الماضي خلفه، لكن المحكمة الدولية قد تضع الماضي أمامه من جديد، فكيف سيتصرف؟ ماذا سيفعل؟ وأي موقف سيتخذ؟ والخيارات تضيق كـ«زواريب» بيروت.