عرائس روسيا

TT

خدعنا الروس غير مرة. وعدوا الناس بالجنة وأرسلوا الملايين منهم إلى سيبيريا. توعدوا الرأسمالية بمزبلة التاريخ، فإذا الصين تفتتح أكبر سوق لشانيل (كوكو شانيل) وغوتشي وديور. لكن الخدعة الأسوأ والأرخص، كانت ما يمكن تسميتها خدعة العرائس. فيما كنت لا أزال في عمر العرسان كان يمكن العثور في موسكو على نوع واحد من العرائس، هي العرائس الخشبية. وهي عبارة عن فتيات على شكل بطيخ، كلما فتحت واحدة منها، وجدت في جوفها واحدة أصغر منها. وكنت تحمل هذا التذكار من روسيا وتضع عرائسه على رف المطبخ قرب أوعية القرفة والبهارات ومسحوق الكمون.

استسلمنا لفكرة العرائس الخشبية على شكل بطيخ سنوات طويلة. وما إن ولى الشباب ولن يعود يوما، حتى بدأنا نرى في فنادق أوروبا عرائس روسيات في حجم غصن الكرز وفي لون حباته. أشقر على أحمر على عنابي. ومن كل مدينة وناحية صنف. من حوض الفولغا ومن جبال الأورال ومن بساتين البحر الأسود. عنابي يا كرز.

وأعتذر عن الأسماء لأنني لم أطرح السؤال، باعتبار أن لا فائدة من الجواب. لكن في مقاييس ضيعتي وأسمائها يطيب لي أن أبلغ جنابكم بأن الكبرى شمس والصغرى قمر والوسطى لم تسأل شقيقاتها شيئا. فلا هن مررن بأحد ولا الأحد الذي هو مخبركم الوفي مر ببستان أو شجرة كرز أو في ضوء القمر.

وإذا حصل وحدث مرور ما، فهو على طريقة محمد الماغوط «حزن في ضوء القمر». أو على طريقة فيروز «يا قمر مشغرة» باعتبار أننا من رعايا الأمير فخر الدين، الذي وصفته أيضا بـ«بدر وادي التيم». والتيم غير المتيم، تماما كما أن عرائس روسيا التي تشبه الراحل خروشوف والراحلة نينا، هي غير العرائس المنتشرة الآن على هذا الجانب من المتوسط، ولها لون مارلين مونرو وعنق أنجلينا جولي وما تبقى فهو صوفيا لورين. طبعا في عصر النهضة.

ثمة فارق محزن آخر؛ في أيامنا كان المرء يشقى في الذهاب إلى موسكو ولا يعود إلا بعرائس خشبية مدهونة بالأشقر والأحمر. الآن عرائس روسيا هي التي تسافر. وكلما رأيت ملكة جمال خارج المباريات في فلوريدا، فاعرف جنابك أنها حفيدة الإمبراطورة كاترين. دماء ألمانية على مشمش بعلبكي على «لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهدب».