ولا تزال فوق الجميع في العالم!

TT

عندما لعبت ألمانيا ضد إنجلترا.. طبيعي أن أنحاز بلا أي تفكير إلى ألمانيا، فتاريخ الإنجليز في بلادنا أسود وفي بلاد أخرى أكثر سوادا.. فإنجلترا عدو لمصر. الحقيقة كل هذه المعاني لم تخطر على بالي.. وإنما أنا أحب ألمانيا. انتهى. ونحن أطفال كانوا يعلموننا اللغة الألمانية ويشجعوننا بالفلوس والهدايا. وغنيت النشيد الوطني الألماني وأنا لا أعرف النشيد الوطني المصري. ولما جاء هتلر ارتفعت أيدينا بالتحية: هايل هتلر أي يعيش هتلر.. زيج.. زيج هتلر والنصر. ولكن لا نعرف بالضبط ما هو ومن هو هتلر. ولكن الذي نعرفه أنه يهاجم الإنجليز ويقتل ويكتسح. وبس. لأنه يحاول أن يتفوق على الدنيا كلها بالأسلحة والطائرة الفريدة..

ولم نعرف في ذلك الوقت إلا مجلة واحدة. هذه المجلة تصدرها شركات الأسمدة الكبيرة الألمانية. أما الصور فكلها مداخن عالية شامخة.. ومن ورائها عمارات. ولكن المداخن هي الأجمل. ونهتف لهتلر ونغني ما لا نعرف. نغني: ألمانيا.. ألمانيا فوق الجميع في العالم.. الوحدة والحرية والعدالة من أجل الشعب الألماني.. ألمانيا فوق الجميع.

أما من الذي يعلمنا ليلا ونهارا، فكان رجلا صاحب محلات في شارع السكة الجديدة بمدينة المنصورة. وظهرت له ابنة جميلة وكنا نتنافس على الذهاب إلى المدرسة صباحا ومساء، ونرجو الرجل أن نساعده في عملية البيع والشراء ونوصل المبيعات إلى المنازل. وكانت ابنته تقول: نعم. وكنا نقول: أمرك يا ست الحسن والجمال..

وكنا صغارا لا نعرف الحسن ولا نعرف الجمال، ولكن قوة جاذبة فيها وقوة مستسلمة فينا جعلتنا نحب كل ما هو، ومن هو، ومن هي ألمانية..

وكنت أحفظ بعض القصائد للشعراء الألمان: غوته وشيلر وهيني ونوفالي وهيلدرن.. من أصحاب هذه الأسماء؟ لا نعرف. ولكننا يشغلنا ما قالوا أكثر من انشغالنا بهم.. وكانت كاترينا - الجميلة ابنة صاحب محل الساعات - هي التي تقول وتكتب ونحن نردد وراءها.. ثم تتقاضى أجرا على ذلك. لا يهم الأجر. وفى يوم عرفت أنه عيد ميلاد كاترينا فحملت لها بعض الورود. فشكرتني وقبلتني هي.. على خدي وقبلة أخرى من شفتي.. ألمانيا فوق الجميع في العالم.

فلما هزمت إنجلترا في كرة القدم، لم نجد ما نقوله إلا ما كنا نقوله ونحن أطفال: الوحدة والحرية والعدالة هي أملنا. وقد تحقق لألمانيا أن تظل فوق الجميع!