غرام العشاق ورجال الدين في تركيا!

TT

في الصيف الماضي ازدحمت الطائرات بالشباب والفتيات المولعين بمسلسل «نور» التركي التلفزيوني المدبلج إلى اللغة العربية. فتح ذلك المسلسل شهية السياح العرب الذين حجوا بأعداد قياسية إلى أرض نور ومهند.

أما هذا الصيف فقد هرع إلى تركيا دعاة وأئمة من رجال الدين إعجابا بها. وأطل الدعاة على شاشات التلفاز يوصون المشاهدين بالاصطفاف وراء تركيا بالاصطياف في أراضيها.

هذا الصيف التقى، على غير العادة، العشاق ورجال الدين في حب تركيا التي صارت الأرض المشتركة رومانسيا وسياسيا، بعد أن كانت سببا في الخلاف بين الفريقين. كانت بسبب «مسلسلها الماجن» محل هجوم أئمة المساجد في العام الماضي، ودعوات بالمقاطعة، أما في هذا العام فقد أصبح ذكر تركيا يرافقه الثناء والدعاء لها على المنابر لأول مرة منذ سقوط الخلافة العثمانية التركية.

فهل حب العرب الطارئ، على اختلاف أذواقهم ومراميهم، للأتراك نعمة أم نقمة؟

بخلاف ما يعتقده المعسكر الأصولي الذي يروج أن المفاخرة بتركيا وبطولاتها ضد إسرائيل تغيظ المعسكر العربي المعتدل.. الحقيقة أن تركيا نموذج مناسب جدا للتسويق والتدريس. فتركيا بالتأكيد ليست إيران، وجماعة أردوغان الإسلامية ليست حماس أو «الإخوان»، لا سلفية ولا شيعية متطرفة، لا عمائم ولا نقاب. توجد في مجتمع تركيا درجة عالية من الليبرالية تتجاوز ما هو موجود في كل العالم العربي وتتقدم عليه بعقود طويلة.

ولأن المتشددين صاروا ينظرون اليوم إلى تركيا بـ«عين الرضا» نقول عساهم يتعلمون شيئا جديدا من الأتراك. حاليا يصفحون، أو على الأقل يغضون الطرف، عن الروح الليبرالية والممارسة العلمانية التركية، ويا ليتهم يفعلون الشيء نفسه مع محيطهم العربي، لكننا نعرف أن موقفهم من تركيا موقف مؤقت وانتقائي. يرفعون العلم الأحمر المزخرف بالهلال لأن أنقرة وقفت موقفا سياسيا شجاعا في مواجهة إسرائيل، وهم يعيرون الأنظمة العربية بتركيا. أي أنهم لا يبالون بما يحدث لإسرائيل بقدر ما يسعى هؤلاء لإحراج حكوماتهم.

منطقتنا في حالة تذمر دائمة، وقد لجأ المتذمرون إلى رفع صور حسن نصر الله وأحمدي نجاد وبن لادن والزرقاوي، إلى حين انتهت مواسمهم بسبب تقاعسهم في المواجهة مع الخصم الإسرائيلي والغربي عموما. الآن الحب لتركيا، علاقة تبعث على الارتياح. فهي بين دول المنطقة الوجه الأكثر اعتدالا سياسيا، وتقدما علميا، وتحررا فكريا.

فالمواطن العربي العادي المحبط يحتاج إلى البلد النموذج والزعيم القدوة، يتطلع إليه ويقلده. والبحث عن بطل، كما العرب مع تركيا، وتحديدا في شخص الطيب أردوغان، هو حالة عربية مزمنة، بل في الحقيقة هو حال المحبطين في كل مكان.

والعرب معذورون على بحثهم المستمر عن أبطال من وراء حدودهم، من إيران إلى أفغانستان إلى تركيا. إنه شعور الهزيمة لدى المستوطَن على مر عقود، وتحديدا في الصراع مع إسرائيل، هزائم 47 و48 و56 و67 و73، ومشاهد لاجئين يعيشون في مخيمات منذ نصف قرن، وصور الإهانات اليومية لاحتلال أراضيهم. يحتاجون إلى أبطال من الخارج، أو يستحضرونهم من القبور، ويغفرون لدكتاتورييهم، صدام وناصر، كل أخطائهما الهائلة مقابل تصريحات نارية أو صواريخ كارتونية، المهم بالنسبة لهم تجريب مواجهة العدو.

لكن ليت تركيا تكون النموذج، ليس فقط في مخاصمة إسرائيل، بل في معالجتها للحاضر مع القديم وتجربتها الطويلة من سقوط الإمبراطورية العثمانية والانتقال إلى العالم الجديد.

[email protected]