من كانت لديه حيلة فليحتل

TT

مثلما كان يردد المعلق الرياضي الكويتي المعتزل خالد الحربان بلهجته المحببة: (اللي تكسبّه العبّه)، هذا صحيح إلى حد ما، ورغم أنني حاولت أن أطبق هذا المبدأ والأسلوب في حياتي الصاخبة، معتقدا أنني سوف أكسب في مجالات متعددة، وعلى هذا الأساس لعبت كثيرا وكثيرا جدا، ولم أنل من لعبي الكثير ذاك غير المزيد من التعب دون أي مكسب يذكر، والحمد لله على أية حال وما شاء فعل، فلست بساخط اليوم ولا ناقم ولا محتج ولا نادم، فعزائي على الأقل أنني استمتعت بلعبي رغم التعب وكسرة الظهر وهدّة الحيل.

وقد طبق هذا الأسلوب عبر التاريخ الكثير من جهابذة الحكام والدعاة والمشعوذين، واستقطبوا في حوزتهم أو حظيرتهم الآلاف إن لم يكن الملايين من خراف ونعاج البشر، ولكن على مبدأ مشابه وأكثر خبثا وهو يقول: من كانت لديه حيلة فليحتل.

ومن ضمن هؤلاء الأذكياء حاكم بوذي في منغوليا، كانت لديه منافسات مع حكام أقاليم آخرين، ويبدو أنه كان سابقا لعصره، ولديه اطلاع على ما يجري في العالم خارج الحدود، واستطاع بشكل أو بآخر أن يحصل على مولد كهربائي، جلبه من بلاد بعيدة يوم أن كان لا أحد في بلاده قد سمع عن شيء يقال له الكهرباء.

كان أتباعه يأتون إلى قصره في كل يوم ليصافحوه وينالوا بركته، وبما أن يده قد ثقلت من كثرة المصافحة وأراد أن يريحها، فقد تفتقت قريحته عن أن يأتي بمئات الكراسي الحديدية ويجلسهم عليها أفواجا وراء أفواج، وعندما يكتمل العدد، يخرج مطلا عليهم من شرفته العالية، ويبدأ في خطبته، وقبل أن تنتهي يطلب من كل واحد منهم أن يمسك بيديه حافة الكرسي الذي يجلس عليه، لأنه في هذه اللحظة سوف ينزل بركته عليهم، وما إن يتمسك الجميع بكراسيهم حتى يشغّل المولد الكهربائي المخبأ الذي يحدث فيهم هزات ورجفات غير متوقعة ولم يعهدوها من قبل، وكلها لحظات ثم يطفئ المولّد، وتناقل الركبان معجزات ذلك الحاكم، فتقاطرت عليه الجموع من كل حدب وصوب تاركين الحكام الآخرين وحدهم ينشون الذباب.

غير أن الله يمهل ولا يهمل، وبما أن ذلك الحاكم البوذي قد بدأ الغرور يداخله من كثرة الأتباع والمريدين المتهافتين على أعتابه، فقد زاد عدد الكراسي من المئات إلى الآلاف، وبينما كان في أحد الأيام منتشيا بخطبته وبمشاهدة الآلاف المشرئبة أعناقهم نحوه، حتى طلب بإشارة منه لعامل مولد الكهرباء أن يزيد بعيار شحنة وتيار الكهرباء، وما إن فعل هذا حتى تساقط الكثير منهم لا من البركة ولكن من صعقة الكهرباء الشديدة عليهم.

وبعدها انكشفت اللعبة، ويقال إن أتباعه بعدها قتلوه وقذفوا بجثته من شرفته المرتفعة وداسوها بالأقدام.

ولا يبتعد عنه بالذكاء أو الشعوذة أحد الحكام العرب قبل اكتشاف الكهرباء، عندما دلّه أحدهم على مادة (الفسفور)، فكان أحيانا يخرج على أتباعه في الليالي المقمرة بعد أن يدهن وجهه ويديه بتلك المادة العجيبة، وما إن يشاهدوا وجهه كالبدر المضيء، حتى يصيحوا مرددين: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، معتقدين أنه من كوكب آخر، أو أن الله سبحانه قد خصه بمعجزة لم يأت بها أحد غيره.

ولو أنني كنت وقتها منهم فلا أستبعد أبدا أن أهتف معهم قائلا: الله أكبر، ثم أركض نحوه مقبّلا يده المباركة.

[email protected]