حلم كاميرون قد يكون كابوس أوباما

TT

من الممكن تفهم الأسباب وراء الفتور الراهن في العلاقات الأميركية - البريطانية. عندما التقى ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني المحافظ، الرئيس باراك أوباما، هذا الأسبوع، كان أوباما في مواجهة أسوأ كوابيسه على الإطلاق. حال نجاح كاميرون في مهمته، فإنه سيتمكن من خلال ذلك من تحقيق ما هو أبعد من مجرد إنقاذ جزيرته العتيقة من المصير الاقتصادي الذي لاقته اليونان، وإنما سيقدم نموذجا لفوز جمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2010.

في ميله نحو التقشف المالي، يشبه كاميرون نمطا جديدا من حكام الولايات من الحزب الجمهوري. يبدأ من وجهة نظرهم فن الحكم من فرض النظام والالتزام على الجوانب المحاسبية. خلال السنة المالية الماضية، جاء العجز في الميزانية البريطانية كنسبة مئوية من الاقتصاد أكبر من نظيره في اليونان. وحملت الميزانية الطارئة التي اقترحها كاميرون في 22 يونيو (حزيران) الماضي أعمق وأطول المقترحات أمدا لتقليص الإنفاق البريطاني منذ الحرب العالمية الثانية. وجرى استثناء البرامج الصحية والأخرى المتعلقة بالمساعدات الأجنبية من إجراءات التقشف، أما باقي المؤسسات الحكومية، فسيتعين عليها تقليص نفقاتها بمتوسط يبلغ 25% على امتداد السنوات الخمس المقبلة.

الملاحظ أن ردود أفعال المستثمرين في السندات والوكالات المعنية بالتقييم الائتماني جاءت إيجابية للميزانية المتقشفة التي اقترحها كاميرون. إلا أنه عندما بدأ التطبيق الفعلي لإجراءات التقشف، تضمنت ردود الأفعال أيضا إضرابات ومظاهرات وأعمال شغب. الواضح أن تلك الاستراتيجية تنطوي على مخاطر كبيرة في دولة لا تعد «الاشتراكية» مجرد شعار فيها، وإنما التزاما راسخا من قبل واحد من الأحزاب الرئيسية بها. إلا أن السياسة التقشفية التي ينتهجها كاميرون تحمل ميزة إبداء الشعور بالمسؤولية الاقتصادية.

من السهل سد عجز بميزانية ما من خلال فرض ضرائب جديدة ضخمة إلا أن هذا يلحق ضررا بالغا بالنمو الاقتصادي. وعليه، اقترح كاميرون تقليص قرابة أربعة جنيهات إسترلينية من الإنفاق مقابل كل جنيه إسترليني زيادة في الضرائب. يذكر أن دراسة أجريت مؤخرا حول 44 عملية تعديل مالي كبرى في دول متقدمة منذ عام 1975 توصلت إلى أن زيادة الضرائب بمقدار نقطة واحدة مئوية كنسبة من إجمالي الناتج الداخلي تقلص النمو الاقتصادي السنوي بمعدل يبلغ في المتوسط 0.6 نقطة مئوية.

وإذا نجح التوجه الذي ينتهجه كاميرون - القائم على تقليص عجز الميزانية من دون وقف النمو الاقتصادي - فسيشكل ذلك مثالا واضحا وقويا أمام أميركا والدول الأخرى. إلا أن التقدم الذي يطرحه كاميرون ينطوي على درسين آخرين ربما ليس هناك استعداد لدى بعض الجمهوريين للاعتراف بهما. أولا: أن إجراءات كاميرون التقشفية نجحت (حتى الآن) في إطار ائتلاف حكومي مع الديمقراطيين الليبراليين، وهو حزب الوسط الثالث في بريطانيا. وقد جعل هذا الائتلاف مع الوسط حكومة كاميرون أقل اعتمادا على دعم الأجنحة المتطرفة داخل كلا الحزبين، مما تمخض عن إقرار هدنة حيال القضايا الخلافية، مثل الهجرة والاندماج مع أوروبا. ولا يزال تحالف كاميرون قويا عند أعلى مستويات القيادة السياسية. وسيتعرض الائتلاف لاختبار مع خوض شركاء الائتلاف الانتخابات المحلية العام المقبل في مواجهة بعضهما البعض وخلال الاستفتاء حول إقرار إصلاحات انتخابية.

في المقابل نجد أنه بالنسبة لأميركا لا تعد مسألة تشكيل حكومة ائتلافية خيارا مطروحا، خاصة أن البلاد تفتقر إلى حزب ثالث يسعى بجد للوصول إلى السلطة. إلا أن اتخاذ إجراءات تقليص في الإنفاق تحمل مخاطرة سياسية يستلزم توسيع نطاق المسؤولية واللوم إلى ما وراء حزب واحد. لذا، تبقى هناك حاجة لتشكيل نمط ما من تحالف وسط - يمين بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين يفضلون التوجهات المالية المحافظة، وذلك من أجل التحرك بجرأة وتهميش الأجنحة الحزبية المتطرفة.

ثانيا: أوضح كاميرون أن التقشف وحده ليس رسالة كافية بالنسبة لحزب سياسي. ووصف مسألة تقليص العجز بأنها «واجبة». وأشار إلى أجندته الاجتماعية - التي أطلق عليها «المجتمع الكبير» - باعتبارها «ولعه» الشخصي. وربط كاميرون بين ميزانيته الطارئة وسلسلة من الإجراءات الرامية لتشجيع العمل التطوعي وتمكين المجتمعات المحلية وبناء «مدارس تعاقدية» وإصلاح نظام الرفاه وتمويل عمل المنظمات الخيرية الخاصة. ويرى كاميرون أن المشكلة في السياسات الحكومية المركزية تكمن ليس فقط في نفقاتها، وإنما كذلك في «تحويلها أفرادا قادرين أكفاء إلى متلقين سلبيين لمساعدة الدولة». وأضاف أن البديل هو «إعادة التفكير بتأن في طبيعة دور الدولة وحجمها».

وتدور رؤية كاميرون حول نمط راديكالي من تنازل الدولة عن السلطة، ليس لصالح الحكومات المحلية فحسب، وإنما للمجتمعات الأصغر والأفراد. ومن وجهة نظره، تلعب الحكومة دورا مهما في بناء «المجتمع الكبير»، لكنه دور مشجع بصورة أساسية؛ حيث تقدم الموارد والسلطة إلى المؤسسات المجتمعية.

يتهم بعض النقاد من حزب العمال كاميرون بـ«محاولة خفية لإضفاء هالة من التبجيل على إجراءات تقليصه الميزانية». إلا أن الملاحظ أن كاميرون كان يتحدث عن هذه الأفكار قبل الأزمة المالية الراهنة بوقت طويل. إن فكرة «المجتمع الكبير» لا تحمل طابعا سياسيا شريرا، وإنما تعكس ذكاء سياسيا.

أما أوباما، فله كل الحق في التخوف من ظهور نمط جديد من التوجهات الجمهورية يحمل الطابع المميز لكاميرون، لكن يتعين أيضا على المحافظين الأميركيين الذين يحترمون شجاعة كاميرون في سعيه لتقليص الميزانية الانتباه إلى رؤيته السياسية. إن أجندة التقشف الناجحة تعتمد على تجميع ائتلاف آيديولوجي، ويتطلب ذلك إقرار أجندة داخلية أكثر إلهاما من مجرد تطبيق قواعد محاسبية تعكس شعورا أكبر بالمسؤولية.

*خدمة «واشنطن بوست»