هل يمكن للأفارقة وحدهم إنقاذ الصومال؟

TT

تأتي القمة الأفريقية في العاصمة الأوغندية كمبالا لتبحث عدة مواضيع أفريقية، على رأسها الملف الصومالي الشائك الذي أصبح يطرح بآثاره الإقليمية الخطيرة بعد تفجيرات كمبالا نفسها التي هزت هذه المدينة على يد تنظيم الشباب المجاهدين الصومالي (النسخة الصومالية لتنظيم القاعدة، الذي يضم أعدادا كبيرة من غير الصوماليين من عرب وغير عرب) يوم 11 يوليو (تموز) الحالي، وأودى بحياة أكثر من 70 شابا وجرح العشرات غيرهم.

وقد كان هذا الانفجار، حسب تصريحات قادة الشباب أنفسهم، ضربة احتجاجية على وجود القوات الأفريقية في الصومال، التي تساند الحكومة الشرعية الصومالية، والتي تتمثل في عدد من الأوغنديين ضمن هذه القوة. وتوعد «الشباب» بأن تطال ضرباتهم لاحقا رواندا، لوجود قوات لها في الصومال.

ولكن، هل يمكن للدول الأفريقية أن تحسم أمرها وتدخل في مواجهة حاسمة مع تنظيم القاعدة والفئات الإرهابية التي أصبحت متمركزة في مناطق عدة من القارة السمراء، ومن ضمنها الصومال التي صارت قاعدة أساسية مهمة بالنسبة لآلاف من الشباب العرب وغير العرب من المنتمين لفكر تنظيم القاعدة، الذين اتخذوها ملجأ لهم، نتيجة غياب الدولة المركزية القوية القادرة على بسط نفوذها على كامل ترابها الوطني، نتيجة ضعفها وعدم قدرتها على ذلك لقلة حيلتها بسبب تقاعس المجتمع الدولي عن دعمها وتثبيت سلطانها ضد خصومها.

إن الوضع في الصومال اليوم جديد عما كان عليه منذ سنوات مضت، والحرب فيها ما عادت كما كانت في المراحل التاريخية السابقة؛ خلاف عشائري عندما اندلعت الأزمة في أولها بعد سقوط نظام الرئيس سياد بري، أو صراع بين أمراء حرب متنفذين، كما تطور بعد ذلك؛ أو حتى نزاع بين الحكومة الشرعية الصومالية الضعيفة ومعارضين مناوئين لها، كما آلت الأمور في مرحلة لاحقة، بل أصبحت الصومال مؤخرا ساحة دولية للإرهابيين ليجعلوا من الشعب الصومالي المكلوم وقودا لنار حربهم الضروس التي يظهر أنها لن تنطفئ قريبا، وأنها ستزداد استعارا في أكثر من مكان في العالم، وتحديدا في القارة الأفريقية بعد أن كانت أفغانستان وجزيرة العرب ساحتهم الأولى.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل الأفارقة قادرون على النصر في هذه الحرب من دون دعم دولي وتمحور إقليمي؟

من المؤكد أن الدول الأفريقية مصممة على خوض المواجهة ضد الإرهاب، ولكن هل سيدخلونها لوحدهم وسيظل جيرانهم العرب ينتظرون، أم أن الدول العربية ستستشعر خطورة الموقف وحتمية تضامنهم مع الأفارقة ضد الإرهاب، على وجه العموم، وفي الصومال على وجه الخصوص؟ كون الصومال بلدا عربيا وموقعه عند المدخل الجنوبي لحوض البحر الأحمر الذي هو بحر عربي بامتياز تتقاسمه اليمن وجيبوتي والسعودية والسودان ومصر والأردن، وتشاركها فيه إريتريا وإسرائيل، إضافة لكون الصومال تشترك مع اليمن في إطلالة مهمة على بحر العرب وخليج وعدن اللذين أصبحا ساحة مهمة للقرصنة التي تنطلق من الصومال، ويضاف إلى ذلك أن الأعداد الهائلة من الشباب الذين يتكدسون في الصومال هم من العرب الذين يحملون الفكر المتطرف.

فهل سيكون العرب هنا جديرون بالتنبه إلى خطورة الأمر، وأن الصومال بصفتها دولة عربية تقع في القارة الأفريقية تمثل عاملا مشتركا يمكن للفئات الدولية الإرهابية استخدامها كمركز انطلاق جديد في تنفيذ استراتيجياتهم العدوانية التي بدأوها بنجاح في تفجيرات كمبالا الدموية البشعة التي أودت بحياة عشرات ممن هم في ريعان الشباب، كانوا يتابعون مباراة في كرة القدم.

الكل يجمع على أن العرب مستهدفون من قبل الفئات الإرهابية أكثر من الأفارقة، واستخدام الصومال جاء من منطلق أن الصومال أصبح أرضا خصبة يستقر فيها المتطرفون فكريا ليرتبوا استراتيجياتهم ويتهيأوا عسكريا لينطلقوا منها نحو غيرها، بسبب ضعف الدولة المركزية هناك؛ وليس الصومال هو الغاية؛ بل الهدف غير الصومال من بقاع العالم العربي الأخرى على وجه التحديد؛ وما كمبالا وما سيتبعها لاحقا من هجمات إرهابية في الدول الأفريقية الأخرى، كما هدد قادة الشباب المجاهدين - لا قدر الله - إلا مواقع يستعرض فيه هؤلاء الإرهابيون قوتهم الواهية نحو ما هو أبعد، ليجعلوا الدول الأفريقية وبقية دول العالم تهاب جانبهم. فالإرهابيون، رغم ضعف حجتهم وغي عقيدتهم، فإنهم مع الأسف استراتيجيون في انتقاء أهدافهم أكثر من الحكومات والدول والمنظمات.

لذا لا بد للعرب أن يسبقوا الغير، ويمدوا أيديهم للأفارقة قبل غيرهم ويستفيدوا من هذا الحدث ويجعلوا من الصومال، الدولة العربية الأفريقية، وحالتها الخطيرة المستمرة المتفاقمة، مركز انطلاق يتمكنون فيه من إعادة ترتيب استراتيجية التعامل مع الدول الأفريقية، فيفعلون بذلك العلاقة بين المنظومتين الرئيسيتين، جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي من خلال التنسيق فيما يتعلق بالملف الصومالي؛ ليضربوا بذلك عصفورين بحجر، فتكون لهم اليد الطولى في الحرب ضد الإرهاب في منطقتهم، بضرب الإرهابيين في معسكرهم الجديد داخل حدود الصومال، وتكون للعرب أيضا الحظوة بإعادة التنسيق العربي الأفريقي، وتطوير آلياته، بحيث يخدم قضاياهم الرئيسية، كما كان في السابق، عندما كانت دول القارة الأفريقية تتسابق لدعم المطالب العربية في المحافل الدولية من دون تردد.

العرب جغرافيا وسياسيا واقتصاديا هم الأقرب للأفارقة من غيرهم، والتفاعل الأفريقي مع قضايا العرب قضية تاريخية، وفي المقابل الاختراقات الإسرائيلية في القارة الأفريقية للتأثير في المصالح العربية، معلومة ومرصودة وواضحة كعين الشمس، والموضوع الصومالي هو عربي بامتياز قبل أن يكون أفريقيا؛ ولو استطاع العرب اليوم أخذ زمام المبادرة في أيديهم في هذه الجزئية لتغيرت معادلات ومفاهيم عديدة في طبيعة العلاقة العربية - الأفريقية بالذات، كما أن لجامعة الدول العربية سلسلة من القرارات المتعلقة بالموضوع الصومالي المتخذة في مختلف الاجتماعات والقمم العربية التي تصب في الاتجاه الذي يسعى إليه الاتحاد الأفريقي.

فليكن المدخل الصومالي مفتاحا جديدا في العلاقة العربية - الأفريقية يتم من خلاله التضامن ضد خطر مشترك، هو إرهاب القاعدة وفكرها المتطرف الخطير الذي أصبح يستفحل في كل اتجاه، ومن ثم الانطلاق نحو تعاون مستقبلي استراتيجي أوسع وأنفع.

* دبلوماسي جيبوتي