مسيار الجنسية بالجنس

TT

من أظرف قصص زواج المسيار الحقيقية، التي يمكن تصنيفها تحت «مسيار الجنسية» بعد التصنيفات المعروفة: مسيار السفر ومسيار الصيف ومسيار الدراسة، قصة شاب جزائري وسيم ساقته أقدار بلده المنهك اقتصاديا أن يصل «بطريقة ما» إلى لندن، لعلها تفرج همه المالي وتنفس كربه المعيشي، ولأنه لا يحمل أوراقا ثبوتية لإقامة قانونية، عمد إلى الحيلة التقليدية المعروفة، بالزواج من سيدة بريطانية، لتكون جسرا يعبر بها إلى الجنسية، فساقه حظه العاثر أن يعرض مسيار الجنسية «اللاجنسي» على سيدة بريطانية عجوز تطرق أبواب الثمانين، اتفقت وإياه على أن يدفع لها مبلغا معينا، على أن يسجلها زوجة له، ولأن قانون الجنسية البريطانية الصارم يقتضي السكنى الحقيقية بين الزوجين، لدرجة أن السلطات البريطانية المعنية بالأمر تداهم بيت المشتبه بهم فجأة في الساعات الليلية المتأخرة لتتأكد من وجودهما، بل تبحث في دواليب الثياب والأدراج عما يدل على زواج حقيقي مستقر، لذا قرر هذا الشاب أن يسكن مع السيدة العجوز التي لم يقنعها مبلغ الصفقة التجنسية، مقارنة بجاذبية هذا الفتى العربي، فغلقت أبواب الشقة وقالت هيت لك!! كانت ليلة قاتمة كئيبة في حياة هذا الشاب البائس، جعلته يعاف بريطانيا كلها، التي ألجأته لهذه الليلة المشؤومة مع هذه العجوز الشمطاء الطماعة، ولهذا لملم حقائبه من الغد، ويمم شطر الجزائر بتذكرة ذهاب بلا إياب.

تداعت قصة هذا الشاب الجزائري البائس في الذاكرة، وأنا أقرأ نتائج دراسة استطلاعية ممتعة عن «زواج المسيار رغبة أم حاجة؟» أهدانيها الصديق الدكتور إبراهيم الدويش، رئيس مجلس إدارة «مركز رؤية للدراسات الاجتماعية» في مدينة الرس السعودية، ولم يكن أمتع من هذه الدراسة، التي أهدانيها مع مجموعة قيمة من أبحاث ودراسات هذا المركز النشط، إلا مرافقته في رحلة عائلية جميلة في ربوع منطقة البحيرات البريطانية الشهيرة «ليكس ديستركتس»، وما أروع أن يجمع المسافر بين السير في دروب الطبيعة الساحرة والسير في دروب الفكر مع طالب علم ضليع ومثقف مكين مثل الدكتور إبراهيم، كنا نسير ونتحدث عن المسيار، فدعاني إلى «مسيار فكري» سريع في كوخه الجميل، الذي أهداني فيه كتيب المسيار، وكأنه يقول: لقد تجاوزنا عموميات الحديث عن المسيار إلى لغة الأرقام والحقائق والدراسات المسحية.

ومع أن الدراسة، التي طبقت على 1500 إمام من أئمة الجوامع، خلصت إلى أن أغلبية أفراد العينة أبدوا عدم قناعتهم بزواج المسيار لعدم توفر السكنى والمودة والرحمة، إلا أن مقدمة ملخص الدراسة تقول: إن أغلبية كبار العلماء أفتوا بجوازه إذا استند إلى أركان الزواج المعروفة. وكأن «مركز رؤية» يقول: إن فتاوى العلماء المؤصلة شرعيا لا تهزها القناعات الشخصية ولا استطلاعات الرأي.

وفي تقديري، أن كثيرا من الناس الذين وصلت إليهم فكرة «المسيار» مشوهة فاتهم أن سوء استغلال زواج المسيار لا يؤثر في الحقيقة على أرض الواقع، التي تقول إن المسيار «غير المتلاعب» ضرورة لشريحة في المجتمع من الجنسين، وليس النساء فقط، حيث وجدوا في المسيار الجاد حلا وطريقا حلالا لأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. أما الذين شوهوا صورة هذا الزواج فليسوا حجة على منعه أو محاربته، تماما مثل الذي يحاول منع قيادة السيارات بسبب تفريط المتهورين، أو الذي يحاول حظر السباحة بسبب حوادث الغرق. هؤلاء المتلاعبون بالمسيار من الذواقين والذواقات والذين أساءوا إلى المسيار هم من يجب أن تنصرف إليهم أصوات النقد والتوجيه والتجريح والتجريم، وأما أصحاب التعميم بالتحريم فحالهم كحال من ينقذ غريقا على أكتاف غريق آخر.

[email protected]