خطورة الكلام في الأيام الحرجة

TT

الأرجح ان الرئيس الاميركي جورج بوش لم يدرك خلفيات الكلمة الخطيرة عندما نطق بكلمة «كروسيد» Crusade في سياق اعلان تصميمه على ملاحقة منفذي هجمات نيويورك وواشنطن. فهذه الكلمة عندما استخدمت لأول مرة في القرون الوسطى حملت معنى «حملة صليبية». الا انها بمرور السنين والقرون صارت مرادفاً لأي حملة مركزة ودؤوبة وثابتة الغاية، وأضحت تستخدم، مثلاً، في سياق قضايا الدفاع عن البيئة وسلامة ركاب السيارات وحماية حقوق المستهلك او اي شيء من هذا القبيل. وعليه لم يقصد الرئيس الاميركي حتماً التلويح بـ«الصليبية» في حمأة تهديده الجماعات التي يتهمها بارتكاب الهجمات القاتلة على مركز التجارة العالمي والبنتاغون، على الرغم من توجيه اصابع الاتهام الى جماعات اصولية مسلمة. ذلك ان اعتماده هذه اللغة كفيل بنسف اسس التحالف الذي يسعى الى نسجه مع اكبر عدد من الدول. ولا شك ان آخر ما يفيد الولايات المتحدة والعالم في هذه اللحظات الحرجة من تاريخها وتاريخ النظام العالمي صدور كلمات لها ترددات دينية تمييزية استعدائية من رأس هرم قيادتها.

وبالفعل تنبه الرئيس بوش ومستشاروه بسرعه الى هذه النقطة. وامام خلفية التعديات المتفرقة التي تعرض لها افراد ومؤسسات عائدة لمواطنين اميركيين مسلمين، سجل الرئيس الاميركي موقفاً طيباً للغاية بزيارته المركز الاسلامي في واشنطن، واعلانه على الملأ موقفاً قاطعاً وايجابياً محوره قوله «ان وجه الارهاب ليس من الجوهر الحقيقي للاسلام»، بعدما ادى ومن معه كل مظاهر الاحترام للمركز ـ بما في ذلك خلع الاحذية قبل السير على سجاد المركز. كذلك حرص على الاستشهاد بترجمة الآية الكريمة «وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون» وتوجيه تحذير الى الغوغاء الذين تسوّل لهم انفسهم المريضة التعدي على المسلمين الاميركيين، وقال «لا تهاون مع التعديات والتهديدات ضد العرب الاميركيين... وعلى مواطنينا ـ ونحن في حالة غضب وانفعال ـ معاملة بعضهم بعضاً باحترام».

ان هذه الكلمات المطمئنة هي المطلوب الآن وسط تلاطم التفوّهات اللا مسؤولة والمطلقة جزافاً سواء على ألسنة الساسة او الاعلاميين وبأقلامهم. فالظرف حرج، بل حرج جداً، وخير الكلام هو الذي يطفئ النار ويلجم الغرائز ويفسح المجال امام التفكير العاقل السويّ.