الغضب الأمريكي

TT

يصعب فصل العدوان الارهابي الاخير على نيويورك وواشنطن، عن المؤتمر العالمي لحقوق الانسان في دوربان بجنوب افريقيا، الذي قلب الموازين الدولية بالبيان الختامي الشعبي للمؤتمر، بادانته الصهيونية بالعنصرية، واسرائيل بالعداون، والعبودية في شكلها الفردي بالرق، وفي شكلها الجماعي بالاستعمار، والمطالبة بتقديم التعويضات المالية المجزية عن هذا الاستعباد.

عجز البيان الختامي الرسمي الحكومي الصادر من المؤتمر عن الغاء ما توصلت اليه الجماهير الشعبية الممثلة في لقاء دوربان بخمسة آلاف منظمة شعبية، وادى هذا العجز الى عدم تمكنه من فرض الارادة الامريكية برفع العنصرية عن الصهيونية، والعدوان عن اسرائيل، والتعويضات عن العبودية والاكتفاء بتقديم الاعتذار عنها في شكلها الفردي والجماعي.

يفسر هذا العجز في البيان الختامي الرسمي الحكومي بالصياغة المرنة التي قامت بها حكومة جنوب افريقيا بهدف فرض الموازنة بين الاطراف المتناقضة، وقضت عليه التحفظات الجماعية من قبل الدول العربية والاسلامية وغيرها من مجموعات دولية في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، وتعاطفت الجماهير في كل مكان بما في ذلك الجماهير في اوربا الغربية مع الموقف الشعبي في دوربان لتؤكد للعالم بانها جزء من ذلك الاتجاه الشعبي شاركت في صناعته وتعمل على تنفيذه حتى اصبح ذلك الموقف الشعبي في جنوب افريقيا يمثل قضية رأي عام دولي لم يستطع الاعلام وفي مقدمته الاعلام الغربي تجاهله فأخذ يعبر عنه بصورة اغضبت امريكا واثارت اسرائيل عليه.

عبرت امريكا عن غضبها من الاتجاه الشعبي وتأثيره على الرأي العام الدولي بالانسحاب المبكر من المؤتمر تعاطفا مع اسرائيل التي تدينها الجماهير بالموبقات الثلاث: العنصرية والعدوان والعبودية، بهدف تفشيل مؤتمر حقوق الانسان، للتغلب على ظاهرة الرأي العام الدولي الذي يقف لاول مرة مع المظلومين في الارض ضد الطغاة الذين يمارسون الديكتاتورية الدولية ضد الشعوب.

بادر بنيامين نتنياهو من لدنه ـ او بتكليف من حكومة الوحدة الوطنية الاسرائىلية ـ الى كتابة مقال في صحيفة «معاريف» يدافع فيه عن اسرائيل وينكر العنصرية الصهيونية ويلصقها بالاسلام، ويصف الموقف العسكري الاسرائيلي بالدفاع عن النفس في مواجهة العدوان الفلسطيني، ويقرر بان اسرائيل لا تمارس العبودية للزنوج بدليل اعطاء المواطنة الكاملة ليهود الفلاشا، في الوقت الذي لا تزال تقام بالدول العربية اسواق النخاسة، وطالب اسرائيل بالعمل الفوري على اعادة الرأي العام الدولي الى صوابه حتى لو اضطرت الى استخدام القوة التي تهز الدنيا.

نحن لا نريد مناقشة ما جاء في مقال بنيامين نتنياهو فكل ما جاء بها هو حديث افك بعيد عن الحقيقة والواقع، وانما نريد القول ان نشرها في صحيفة «معاريف» تحت عنوان «كفى ضبط النفس حتى في الاعلام»، سبق العمل الارهابي الاجرامي في نيويورك وواشنطن بايام معدودة بكل ما يحمله ذلك من شك وريبة حول المجرم الحقيقي الذي ارتكب تلك الجريمة النكراء التي هزت الدنيا، كما طالب بنيامين نتنياهو في مقاله وحقق ما سماه «عودة الرأي العام الدولي الى صوابه»، ونسميه بخروج الرأي العام الدولي عن صوابه، بعد ان شاهد حجم الكارثة في نيويورك وواشنطن، وتسللت الدهلزة الصهيونية من خلال هذه الكارثة لتوجيه الاعلام الغربي الى ان الاسلام بعنصريته والعرب بارهابهم، واشتراكهم في الحقد على الحضارة العالمية المعاصرة، قاموا بهذه الجريمة النكراء في حق الانسانية.

يذكرنا هذا الموقف الاسرائيلي اليوم بدفع التهمة عن انفسهم وعن صهيونيتهم العنصرية ومحاولة الصاقها بالاسلام والعرب بفضيحة لافون في سنة 1954 التي قامت بها اسرائيل بواسطة عملائها في مصر، وهي عبارة عن سلسلة من التفجيرات ضد المصالح الامريكية والبريطانية في القاهرة والاسكندرية حيث فجرت بهما المكتبة الامريكية، واختارت اسرائيل الوقت المناسب لاعمالها الاجرامية باستغلال ازمة الاخوان المسلمين لتلصق بهم تلك الاعمال الاجرامية لتستفيد من نتائجها في خلق ازمة حادة بين القاهرة من ناحية وبين واشنطن ولندن من ناحية اخرى.

لقد انكشف امر اسرائيل وتورطها في هذا العمل الاجرامي بمحض الصدفة عند انفجار قنبلة في جيب احد عملائها قبل دخوله الى سينما ريو بالاسكندرية المملوكة لبريطانيا فلم يتمكن من وضعها بالسينما كما كان مخططا له، وادى ذلك الى كشف الشبكة الاسرائيلية في مصر وتمت محاكمتهم وانكر رئيس الحكومة آنذاك موشي شاريت امام الكنيست صلة اسرائيل، ولكنه عاد فاعترف بقيام اسرائيل بها بواسطة الموساد تحت اشراف ومسؤولية وزير الدفاع بنحاس لافون رغم معارضة الحكومة الاسرائيلية، ولم يستطع نكران هذه المسؤولية بعد ان شهد عليه موشى ديان وشيمعون بيريس فأقيل من منصبه واستدعي ديفيد بن جوريون بعد احالته على التقاعد وكلفوه بحمل حقيبة وزارة الدفاع في حكومة موشي شاريت. وهذه السابقة الثابتة على اسرائيل بفضيحة لافون التي تؤكد اقدامها على التفجيرات في ارض الغير من الدول بهدف الاستفادة من المواقف العدائية المترتبة عليها، تؤكد احتمال قيام اسرائيل بالتفجيرات الاخيرة في امريكا لخدمة مصالحها من خلال المواقف العدائية التي فرضها ذلك التفجير بين امريكا وغيرها من الدول.

البحث عن الحقيقة يدفعنا الى مراجعة الاحداث في الماضي على امل الاهتداء منها في تفسير ما حدث في الحاضر، فكارثة اوكلاهوما وقعت في يوم 11 سبتمبر عام 1995، وكارثة نيويورك وواشنطون وقعت في يوم 11 سبتمبر عام 2001، وهذا التطابق في اليوم والشهر بفاصل زمني مدته ست سنوات لا يمكن اعتبار وقوعه بمحض الصدفة، وحتى لو سلمنا جدلا بان تطابق التاريخين قد جاء بالصدفة المحضة بالقضاء والقدر، فلماذا اقدمت الحكومة الامريكية على اعدام تيموثي ماكفي الذي جرم بتفجير اوكلاهوما دون ان تعرف شركاءه فيها بعد ان اعترف امام المحققين بانه ينتمي الى جماعة ويرفض الافصاح عنها. وكل القوانين الجنائية بما فيها الامريكية لا تقدم على اعدام الجاني الذي يعترف بأن له شركاء الا بعد اعترافه عليهم، وهناك في داخل امريكا من يشير الى المتطرفين اليهود واتهامهم بانهم شركاء ماكفي ويستدلون على ذلك بالدور الصهيوني في الدهلزة وفي المناصب الرسمية العليا، الذي الح في المطالبة باعدامه لقفل ملف القضية.

الحديث عن الصدفة يذكر بما نشرته احدى الصحف الالمانية عن تغيب اربعة آلاف موظف يهودي عن عملهم في برجي مركز التجارة الدولية في يوم وقوع الكارثة الا يدل ذلك على معرفتهم المسبقة بما سيحدث في ذلك اليوم دون ان يلفت هذا العدد الكبير من الموظفين المتغيبين عن وظائفهم في ذلك اليوم انظار الحكومة الامريكية، وتحت يدها جهاز استخبارات رهيب «السي اي ايه» يسمع خطوات النملة وهي تمشي على الارض؟ ومع ذلك جاء الى واشنطن قبل عدة اسابيع كما اعلن رئيس الوزراء الاسرائيل ارييل شارون وفد من الموساد يخبرها بان التعصب الاسلامي والارهابي العربي سينقل جزءاً من نشاطه في اسرائيل اليها والى غيرها من العواصم الغربية، وهذا يعني بان الوفد الموسادي حدد لليهود المتغيبين عن العمل موعد التنفيذ للكارثة والموقع الذي ستتم فيه، وهذا يفسر غيابهم بأعدادهم الكبيرة عن اعمالهم.

هناك ايضا من يتحدث في داخل امريكا وخارجها عن قيام اسرائيل بتنفيذ جريمتها بواسطة مافيا المخدرات من خلال تعاونها معهم بصفتها اكبر مروج للمخدرات في العالم، واتضح هذا الدور من تهديد اتباع بارون المخدرات مابيو اوشوا الكولومبي بتحويل امريكا الى جحيم في اعقاب تسليم زعيمهم للسلطة الامريكية يوم الاربعاء قبل الماضي 5 سبتمبر 2001 وتجاهلت امريكا هذا التهديد لها في اعقاب وقوع الكارثة بالدور الصهيوني الذي شكك في امكانية تنفيذ عصابات المافيا لمثل هذه الكارثة، وبذلك اخرجت اسرائيل ومافيا المخدرات من «اجندة» البحث عن مجرمي تلك الكارثة.

صعد من داخل فرنسا صوت جان فرانسوا داجوزان ابرز المتخصصين في الارهاب الدولي، والخبير في مؤسسة الابحاث الاستراتيجية الفرنسية، بقوله لصحيفة «ليبراسيون» بانه يتهم اسرائيل بجرم الحريق في نيويورك وواشنطون لانها الدولة الوحيدة في العالم المستفيدة من ما حدث في امريكا، ولانها الدولة الوحيدة القادرة على اختراق الاجهزة الامنية الامريكية وتنفيذ الجريمة بالسرية التامة لما لها من نفوذ صهيوني كبير وواسع في داخل امريكا.

من حق امريكا اظهار غضبها من ما حدث بها، ولكن المرفوض منها هو ان تنساق وراء اسرائيل المتهمة اصلا بجريمة نيويورك وواشنطون، بتأجيج غضبها ضد الاسلام والمطالبة بسحقه ومحوه من الوجود، كما اعلن بنيامين نتنياهو في لقائه مع توم بروكر عبر الشاشة وهذا يلزم امريكا باعادة حساباتها في الانتقام حتى لا تحارب الارهاب بالارهاب حماية للاسرة الدولية.