قبل أسابيع كان الشغل الشاغل للادارة الأميركية هو محاولة اكتساب ود الشعب الأميركي اولاً، وود العالم ثانياً، وتأييدهما لإقامة المظلة الصاروخية التي من شأنها ان تكلف عشرات المليارات من الدولارات، فضلاً عما تتطلبه من تقنيات عالية تشكل تحدياً علمياً بحد ذاتها.
كانت واشنطن تخشى ان تتمكن بعض الدول التي تصفها بـ«المارقة» من تطوير صواريخ بعيدة المدى تطال اراضيها لتزرع فيها الموت والدمار. كانت تنظر دائما الى الخارج كمصدر دائم للأخطار المحدقة بها. ولم تنكر يوماً، ان العدو قد يستطيع ضربها من الداخل بشكل مؤثر يفوق ربما ما قد تلحقه بضعة صواريخ آتية من بعيد، خاصة إنْ كانت لا تحمل روؤساً للدمار الشامل.
ليس هذا فحسب، بل بات الأميركي اليوم يتطلع حوله باستمرار معتقداً بعد الذي حصل ان هناك عشرات الأعين المتربصة به باستمرار مستعدة في أي لحظة ان تسدد له ضربة مدمرة على غرار ضربات الأسبوع الماضي. وترافق خطة المظلة الصاروخية هذه، ومشاريع حرب النجوم الاخرى، مخططات اخرى لوزارة الدفاع الأميركية التي كانت ثالث الاهداف التي ضربت لتطوير اجيال جديدة من الاسلحة التي قد لا يرى العالم مثيلاً لها. اسلحة ليزر مركبة على طائرات عملاقة، اسلحة ذكية تميز اهدافها بدقة وتفرق بين الصديق والعدو بواسطة برامج كومبيوترية في غاية التعقيد، اسلحة تعمل بالبلازما الحرارية، او بالاشعة السينية، أو بجزئيات الطاقة، او اسلحة روبوتية تحل محل الجنود والمركبات البرية والجوية والبحرية من دبابات وطائرات وقطع بحرية، او اسلحة فضائية مدمرة قادرة على بلوغ اي منطقة في العالم خلال ساعة، أو ساعتين. كل ذلك من اجل حماية الولايات المتحدة من عدو مستقبلي محتمل لم تتضح معالمه بعد، لأنه لا يزال بعد في عالم المجهول، لا بل الأوهام.
الذي يطالع اليوم استعدادات الولايات المتحدة العسكرية للرد على الهجمات التي تعرضت لها وتحركات قطعاتها، سيشعر بجبروت الترسانة الهائلة هذه التي تملكها، خاصة الذكية منها، التي يمكن توجيهها بالاقمار الصناعية من مسافات بعيدة، والقادرة ايضا على الحاق اذى كبير في الاهداف التي تقصفها. إلا ان كل ذلك لم يتمكن من الوقوف امام هجمات لم تستعمل فيها التقنيات العالية. إذ أن «افضل وسيلة لمقاومة التقنيات المتطورة هي التقنيات البسيطة»، هكذا قال الجنرال غياب، رائد حرب العصابات، الذي كان ملهم عمليات الفيت كونغ في فيتنام ضد الاميركيين، ثم أثبت ذلك القول بالفعل.
ولعل أفضل تصوير لوضع الولايات المتحدة اليوم، وهي التي كانت قبل أيام تروج لمظلتها الصاروخية قبل ان يحدث ما حدث، القصة التالية التي رواها لي احد الزملاء وهي تقول: «ان مفكراً كان يتمشى في حديقة عامة يطالع كتاباً، فسقط فجأة في بئر. وهرع الناس لانقاذه على صوت استغاثته. وبعدما أخرجوه من ورطته سألوه: ماذا كنت تفعل؟ فأجاب كنت مشغولاً في قراءة كتاب عن الفلك وحركة الكواكب والنجوم في كوننا هذا، فسقطت في البئر من دون ان اشعر. فقالوا له: المرة المقبلة أنظر إلى الأسفل لا الى الفضاء الاعلى، فهذا اكثر أماناً وسلامة».
هكذا حال أميركا اليوم، كان عليها ان تنفق اموالها على تحسين امنها الداخلي واستخباراتها، وهي المجتمع المفتوح، لا على خطة صاروخية واسلحة متطورة تقنياً لا يعرف احد ما ستكون عليه، وما ستوفره من حماية قد لا تحتاجها.