والله زمان يا زمن!

TT

ما اسم زماننا؟.. قالوا إنه زمن الإنسان الصغير. أي الجماهير. أي آلاف الملايين التي تحب أن تحكم الدنيا.. فظهرت المذاهب الشيوعية تعبر عن قوة الإنسان الصغير..

وقالوا زمن الذرة. أي زمن الشيء الصغير. وكنا زمان نقول إن الذرة هي المادة التي لا تقبل القسمة. وثبت علميا أن الذرة الواحدة تقبل القسمة على ألف مليون.. وأن الفيزياء والتطبيقات العلمية اسمها (نانو) تكنولوجي.. أي تكنولوجيا النانو.. أي الشيء الذي يقبل القسمة على ألف مليون.. والمعنى: ليس الصغير صغيرا، كما كنا نتصور، أو أن الذرة هي أصغر شيء.. وبعدها لا شيء. فالعلم لا يرى ذلك.. ويرى أن كل شيء قابل للقسمة. فهي صغيرة ولكنها ليست ضعيفة. وكذلك الإنسان الصغير..

وقيل: نحن في زمن الوحش في صدورنا. فقد فتح عالم النفس فرويد الدنيا علينا.. أو أننا نهجم على الدنيا بصورة جنسية.. فأينما اتجهنا تحركت الحيوانات في صدورنا.. فالإنسان هو الذي يحمل في صدره حيوانا مفترسا.

وقيل: بل نحن في زمن الوحدة - أي الشعور بالوحدة رغم وجود الكثيرين في كل مكان. هم كثيرون ولكن الإنسان يعني الوحدة. هم يملأون الدنيا إلا فراغه النفسي.. هم يتربصون بالإنسان الخائف على ما تبقى له من حرية وحق في الحياة وحق في أن يقول: لا..

وقيل إن الفلسفة الوجودية كانت أصدق تعبير عن الغريب وسط الملايين.. عن الغريب الذي اختار الغربة.. نحن يونس في بطن الحوت.. والحوت هو الجماهير التي لولاها ما عاش.. ولولا خوف نوح ما بنى سفينته لينجو من الغرق.. وليبدأ الحياة من جديد.. فنوح هو آدم الثاني..

وقيل: بل كل هذا عبث.. أي لا معنى له.. ولا منطق. وظهرت مسرحيات العبث والفنون التشكيلية والتكعيبية تؤكد هذا المعنى. ورغم أنف الإنسان أن يكون على صلة بشيء ما.. بأحد ما.. في وقت ما.

وقيل إن القيم الأخلاقية قد تلاشت. فلم يعد الإنسان يفكر في (قيمة) وإنما في (سعر الأشياء).. إنها أخلاقيات السوق..

وربما كان بشار بن برد أصدقنا تعبيرا عن زمانه وزماننا. قال: عشت في زمان أدركت أقواما لو احتفلت الدنيا ما تجملت إلا بهم.. وجاء زمان ما أرى عاقلا حصيفا ولا فاتكا ظريفا. ولا ناسكا عفيفا ولا جوادا شريفا ولا خادما نظيفا ولا جليسا ظريفا ولا من يساوي في الخيرة رغيفا..

إن زمان بشار ليس بعيدا منا. الذي قاله على زمانه ينطبق تماما على زماننا.. فأي زمان هذا الذي نحن فيه؟!