أحسنوا الظن بالمبتعثين

TT

تتكاثر هذه الأيام محاولات التشكيك في الابتعاث الخارجي ونتائجه، وتوهمات خطورته، وممن أدلى بدلوه في هذه القضية المستشار الأسري والتربوي الدكتور ميسرة طاهر، حيث انتقد - استنادا إلى صحيفة «سبق» الإلكترونية - في محاضرة ألقاها الأسبوع الماضي أسلوب وزارة التعليم العالي، وقطاعات حكومية، وشركات عامة، في ابتعاث الطلبة للدراسة بعد الثانوية العامة، كاشفا عن إدمان بعضهم للمخدرات، وقال: «جاءني في العيادة شاب عاد من الابتعاث مدمنا للمخدرات»، وإن هذا الطالب أخبره بأن سبعة من زملائه المبتعثين أدمنوا المخدرات هناك، كما أشار إلى أن إحدى المبتعثات ممن تراجع عيادته أصبحت ترى بالحرية المطلقة.

والدكتور ميسرة أحد العقلاء الذين نعتز بآرائهم، ولكن لا أعتقد أن المثالين اللذين أوردهما يمكن أن يقوم عليهما حكم عام بخطورة الابتعاث الخارجي، فحالة الإدمان التي تعرض لها الطالب يمكن أن تحدث حتى داخل الوطن، فالمخدرات لم تبقِ بلدا في منأى عن خطرها، وضحاياها في كل مكان، ولا يمكن تحميل الابتعاث مسؤولية إدمانه، أما قوله - أي الطالب - بأن سبعة من زملائه المبتعثين أدمنوا المخدرات، فهذا يندرج ضمن شركة «يقولون»، وهذه لا يعتد بها، ويدخل - كما يعلم الدكتور - ضمن أساليب الحيل العقلية اللاشعورية التي يلجأ إليها المدمن لتبرير فعله، وينطبق على الفتاة ما ينطبق على الشاب، ففي القرية الكونية التي نعيش فيها قد يحدث مثل هذا الغزو الضال في البعد أو القرب، وفي ظل عشرات الآلاف من الطلاب المبتعثين، وما يحققونه من نجاحات، فإن التوقف عند حالة أو اثنتين - يمكن أن يحدث لها في الداخل ما حدث لها في الخارج - لا ينبغي أن يتخذ وسيلة للتشكيك في مشروع الابتعاث، الذي تبناه - برؤية طموح وحكمة بالغة - خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، واستفاد منه آلاف الطلبة والطالبات الذين التحقوا بالكثير من الجامعات في الشرق والغرب، وها هي طلائعهم تعلن بوادر النجاح لهذا البرنامج الذي يلقي عليه الوطن آمالا كبيرة في دعم مسيرته وتعزيز نهضته.

أما القول بأن يقتصر الابتعاث على الدراسات العليا، فتلك مسألة لم تراعِ احتياجات التنمية ومتطلباتها، التي تحتاج إلى خريجين جامعيين أكثر من الحاجة إلى حملة شهادات عليا، كما أن عمر الطالب في المرحلة الجامعية هو العمر الذي يعترف فيه العالم بحاجة الشاب إلى الاستقلالية والاعتماد على الذات، وتكمن الخطورة في استمرار النظر إليه في هذا العمر كقاصر، لا يستطيع أن يتدبر أموره.

وبدلا من محاولات التشكيك في أبنائنا المبتعثين فكريا وسلوكيا، أحسنوا الظن بهم، وامنحوهم الثقة، فهم تربيتكم ونتاج غرسكم.

[email protected]