السخرية في أقاصي قسوتها

TT

السخرية عملية حساسة جدا تتطلب روحا ديمقراطية أصيلة ورحابة صدر كافية من المتلقي ومن الجمهور ومن السلطات. ولهذا يتحاشاها الكاتب العربي خوفا من غضب الطرف الآخر ومقاضاته وربما الاعتداء عليه. جعل هذا الكاتب العربي يتهرب من التعرض لزملائه من الكتاب والفنانين كليا. يتعامل معهم باحترام كاذب ورياء مقيت ومجاملات عقيمة. ولكننا نجد نماذج قاسية من السخرية في ما يقوله الأدباء الغربيون بعضهم عن بعض في إطار احترامهم لحرية التعبير.

اشتهر في أميركا الصحافي إتش منكن بهجماته البذيئة على سواه من الكتاب والأدباء. لم «يزعلوا» منه ولكنهم بالطبع ردوا عليه، الصاع بالصاعين. ومضى هو من جانبه فجمع شتائمهم عليه ونشرها في مجموعة ظريفة. كان منها ما قاله وليم وايت عنه بهذه الكلمات: «للمستر منكن عينان كعيني الخنزير، لا تنظران مطلقا إلى الأعلى. وله أيضا بوز يعشق القاذورات ودماغ خنزير لا يعرف غير المزبلة. ويصرخ صرخات الخنزير فقط عندما يؤذيه أحد. ويفتح أحيانا فمه الخنزيري المكشر والقبيح وينطق عندئذ بصوت مكابر فيلعن السور الأبيض الذي يحيط بالروث الذي ينام عليه».

أما ستوارت شرمان فقد كتب عنه قائلا: «يتكلم المستر منكن عن الحقيقة كما لو كانت خليلته. ولكنه يتعامل معها كما لو كان نجارا».

وتعرض إليه جاكسن نوز بهذه العبارات القاسية: «بما يتدفق منه من نزيف لغوي وسخ، ينحط منكن إلى أدنى مستويات الأخلاق، بألعن ما يمكن من القذارة والخسة والتفسخ».

وإذا تساءلنا عن القسوة فلا أتوقع أن أجد شيئا أقسى مما قاله الروائي الإنجليزي دي إتش لورنس للأديبة كاثرين مانسفيلد، وهي تعاني من مرض السل الرئوي الذي قضى عليها: «إنني أكرهك. وأنت تثيرين في نفسي القرف وأنا أراك تذوبين وتذوين في تدرنك الرئوي».

وفي مناسبة أخرى كتب لأحد زملائه عنها فقال: «ابصق في وجهها نيابة عني عندما تراها. إنها كذابة في كل ما تقول. أما بالنسبة لصاحبها (الأديب جون مدلتن ماري) فلغتي عاجزة عنه. إنه قملة مثلها. كلاهما قملتان».

وكتب لورنس لزميله مابل لوهان فقال: «لا تقصر في شيء مطلقا. عندما تلتقي ببريل فاضربه بـ(شالوت) قوي في بطنه إذا اقترب منك. اضرب كل أميركا بـ(شالوت). إنهم يحتاجون إلى ذلك».

ولكنه لم يقلّ غلظة في الكتابة عن زملائه النقاد الإنجليز: «اللعنة على كل هذه الخنازير الصغيرة الكريهة الخاوية العظم، المخلوقات اللافقرية المترجرجة البطن، الزلقية الجلد، الفقاعات الحقيرة المتفسخة، المجموعة المتقيحة المترددة المتباكية العديمة النبض التي تتكون منها إنجلترا اليوم. لا يجري في عروقهم غير بياض البيض حتى ليعجب الإنسان كيف ينجبون أولادا!».